النائبة البرلمانية الدكتورة حنان أتركين تكتب، الأغلبية البرلمانية: من وحي ميثاق الأغلبية
1939 مشاهدة
تحتاج المؤسسات إلى حد أدنى من الانسجام والتناغم لكي تؤدي مهامها على أحسن وجه، وتحتاج الحكومة، أي حكومة، إلى سند يُسمى « الأغلبية »، سند يبرر ميلادها، ويسند « ظهرها »، ويوفر لها شروط الاستمرارية والدوام خلال ولايتها، وهي معفية من إشهار سلاح إسقاطها. لذا، يظهر الاهتمام الكبير بالأغلبية البرلمانية، لأنها أغلبية في مواجهة معارضة، في حين أن الحكومة لا يمكن وصفها بالأغلبية لأن لا معارضة لها من داخل الجسم الذي تشكله، فالحكومة لا تشكل أغلبية، بل إنها إفراز للأغلبية ونتيجة طبيعية لها؛
لذلك، فإن الاهتمام بالأغلبية وصيانتها، والحرص على لُحمتها يجب أن ينطلق من البرلمان، فهناك توجد الأغلبية الحقيقية، والتي تواجه إكراهات عديدة، فهي مطالبة بدعم « صنيعتها »، والوفاء بالتزاماتها أمام ناخبيها، والحوار مع المعارضة وفقا للقنوات المحددة في الدستور وفي النظام الداخلي لمجلسي البرلمان، ثم، وهذا هو الإشكال، تذويب تناقضاته الداخلية المبررة باختلاف المشاريع والتصورات، وفي بعض الأحيان، الايديولوجيات…
هذه المهام المتعارضة، هي التي تجعل « الأغلبية » في الواجهة، فهي مدعوة، في منطق الحكومة أن تجسد أقوى معاني الوفاء، وأن تتحول عمليا إلى آلية للتصويت، وفي نظر ناخبيها، أن تضغط على الحكومة وأن توظف سلاح التصويت وقوة العدد للحصول على أكبر المنافع الممكنة، وهي أيضا مطالبة، في نظر المعارضة، أن تنحاز إلى منطق « الصالح العام » الذي يمكن أن تحد منه حساب الأعداد والأرقام…بل، وأن تكون منسجمة مع نفسها، مع مرجعياتها، فلا تجعلها محل تسويات أو مساومات، وأن تكبح النزوعات « الفردية » لبعض مكوناتها، لفائدة كلمة مفتاح هي الانضباط إلى قرارات « الزعامات الحزبية »…
لكل هذا توضع المواثيق، بما تمثله من تعاقدات معنوية، غايتها إنجاح عمل الأغلبية، وبالتبعية العمل الحكومي، لكن هذا المثياق مطالب، لكي يكون فعالا ومؤثرا، أن يجيب على الإشكالات السابقة، وأن يوفر آليات لتدبيرها، وأن يحفظ للبرلمانيين حريتهم التي يستمدونها من تمثيل الأمة، في توفيق مع انتماءاتهم الحزبية التي ترشحوا باسمها، والتي يتطلب منهم الدستور الوفاء لها…
إن الأغلبية الحالية، مطالبة بإبداع، على أرضية الميثاق، المضمون الفعلي لانسجام الأغلبية، وذلك، بالعمل المشترك، وتوحيد المواقف، وتقريب وجهات النظر، والسماح أيضا بهامش معقول للنقد الذاتي والتقييم الموضوعي، فالأغلبية في حاجة دائما لمعارضة داخلية، يُسمح لها ببسط وجهة نظرها، وتصريف موقفها باتزان، والأخذ برأيها متى اتضح أنه صائب وعائده السياسي مهم…إنها مفاتيح لنجاح الأغلبية البرلمانية، أغلبية منسجمة، تسمح بداخلها بكل الآراء، وتتخذ قراراتها بالأغلبية لكن مع كفالة صوت المعارضة، الحكيم داخلها…