فتوة الخنت أو  » عيفة الرجال « 

2701 مشاهدة

فتوة الخنت أو  » عيفة الرجال « 

             لازالت خيوط الدهشة تطوقني كلما أعدت مشاهدة تسجيل تلك الأم المكلومة و هي ملقاة على الأرض كشاة بئيسة  تتوسل لذلك المجرم و هو يلوح بسيفه الملعون.  

          لم تشفع لها توسلاتها، و عويلها، و دموعها الغالية . 

      لم يشفع لها خمارها، و جلبابها ، و زيها المتشح بالوقار. 

       حتى كهولتها، و نحافة جسدها، و تضاريس البؤس التي نحتت وجهها. لم تشفع لها في شيء. 

        انقض عليها كخنزير هائج، و لم يمهلها ولو هنيهة حتى تستجمع قواها، لتعي ما الذي يقع لها. انتزع منها الحقيبة و هو يلوح بسيفه في مشهد درامي مقزز ينضح بالخساسة، و الجبن ، و العار. مشهد يأبى حتى الحيوان اقترافه. أكيد لو اجتمع فقهاء علم الإجرام لحاروا في تصنيف مثل هذا النوع من البشر، الذي يرضى ترويع أم آمنة، أو فتاة تشق طريقها لكسب قوت صغارها. أو ربما زوجها ، و أهلها.  

        لقد نشأنا و  أفنينا زهرة عمرنا في أعتى أحياء مراكش العتيقة، و أشدها عنفا. لدرجة كان لكل حي أو ‘حومة ‘ أو درب فتوة أو فتوتين يقام لهم و يقعد ، بل تضرب بهم الأمثال في القوة و البأس.  

          لا زلت أذكر و أنا طفل يافع كيف كان ‘الحابا’ بتشديد الباء، أحد أشهر فتوة المدينة العتيقة يجلس بباب ‘الحومة’ على مفترق الطرق، متأبطا قنينته،وهو يعزف على أنغام قيتارته، مترنما بأغنية  »قدسي ». حتى إذا بلغ الخمر مبلغه، و  ارتقى لقمة نشوته، صاح بصوته المجلجل معلنا حظرا للتجول. لكن المثير، و المدهش، أنه بمجرد أن تلوح له فتاة، أو أم حتى يلتزم الصمت تقديرا لحرمة النساء، ليفسح لها المجال، و قد ينحني على رأس إحداهن ليقبله مقدما آيات الاعتذار، و الأسف عما سلف. أما من سولت له نفسه التحرش بفتيات الحي، أو الاعتداء عليهن فمصيره العذاب الأليم لا محالة… 

           كانت أبواب منازلنا مشرعة حتى ساعات الليل المتأخرة، دون خوف أو رعب، فيما قد يخمن اللص ألف مرة، و مرة قبل القيام بأي غارة على الحي. 

           فتواتنا بصموا على زمن جميل رغم اندفاعهم، و حماقاتهم. و تهورهم. فكانوا رجالا  أشداء، لكن بقلوب رحيمة ، مشبعة بالشهامة و المروءة التي تأبى الظلم و ‘الحكرة’ و ترويع الآمنين. 

      رحم الله فتواتنا ممن قضوا نحبهم، و أطال الله عمر من لا زال منهم ينتظر. أما فتوة الخنث،  »عيفة الرجال » فلا غرابة على من كان ينبطح أن يأتي مثل هذه السلوكات. 

       

اخر الأخبار :