قررت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش خلال جلستها المنعقدة بتاريخ 30 ماي 2025 استدعاء جميع المتهمين المتابعين في ملف “أملاك الدولة”، للحضور إلى جلسة جديدة مقررة يوم 20 يونيو الجاري، وذلك بعد تأجيل الجلسة الأولى التي كانت مخصصة لانطلاق المحاكمة الرسمية، في انتظار استكمال الترتيبات القضائية المرتبطة بالإجراءات المسطرية ومثول المتهمين أمام المحكمة
وتعتبر هذه القضية من بين أبرز ملفات فساد العقاري التي شغلت الرأي العام المراكشي خلال السنوات الأخيرة، بالنظر إلى حجم التجاوزات المفترضة وطبيعة الأسماء المتورطة التي تضم مسؤولين كبارا ومنتخبين نافذين، وكذا لحساسية العقارات العمومية التي شملتها عمليات التفويت تحت غطاء تشجيع الاستثمار في حين كانت مخصصة لإنجاز مشاريع اجتماعية وتنموية كبرى ضمن البرنامج الملكي “مراكش.. الحاضرة المتجددة”
وقد تفجرت خيوط هذه القضية في فبراير 2018 بعد شكاية تقدم بها عبد الإله طاطوش رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المال العام، دعا فيها إلى فتح تحقيق في تفويت أراضي تابعة لأملاك الدولة بأثمنة رمزية لفائدة منتخبين ومضاربين ومسؤولين محليين حيث أظهرت التحقيقات أن المساحات المفوتة تصل إلى عشرات الهكتارات من الأراضي ذات الطابع العمومي وتم تفويتها بطرق مشبوهة أدت إلى حرمان الجماعة من موارد عقارية مهمة كانت موجهة لمشاريع ذات منفعة عامة
وبلغ عدد المتابعين في هذا الملف أحد عشر شخصا يتوزعون بين مسؤولين إداريين ومنتخبين ورجال أعمال على صلة بالملف، ويتعلق الأمر بكل من عبد الفتاح لبجيوي الوالي السابق لجهة مراكش آسفي، ومحمد العربي بلقايد العمدة السابق لمدينة مراكش، ويونس بنسليمان النائب السابق للعمدة وبرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وعبد العزيز البنين البرلماني السابق وعضو المجلس الجماعي لمراكش، ومولاي إسماعيل لمغاري الرئيس السابق لمقاطعة سيدي يوسف بن علي ونائب عمدة مراكش، ومولاي ادريس العمري العلوي المدير الإقليمي السابق للأملاك المخزنية، وعبد الرحيم بوعلالة المدير الجهوي للأملاك المخزنية، وإبراهيم خير الدين المدير الجهوي السابق لمركز الاستثمار، وخالد وية المدير السابق للوكالة الحضرية، ورشيد لهنا الرئيس السابق لقسم التعمير بولاية جهة مراكش آسفي ثم عبد الحميد المتعلق بالله مسير مجموعة شركات خاصة مرتبطة بأحد المتهمين
وقد وجهت للمتهمين عدة تهم ثقيلة تتراوح بين تبديد أموال عامة موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته والمساهمة في تزوير محررات رسمية وتلقي فائدة غير مشروعة في عقود وصفقات عمومية، واستعمال محررات رسمية مزورة، والمشاركة في تبديد أموال عامة، إضافة إلى تبييض الأموال وهي التهم التي أكدت التحقيقات أنها ترتبط بعمليات تفويت مشبوهة لعقارات الدولة لفائدة لوبيات محلية
وبعد انتهاء مرحلة التحقيق، قرر قاضي التحقيق إحالة الملف على أنظار غرفة الجنايات الابتدائية المختصة في جرائم الأموال، كما أصدر قرارات احترازية صارمة في حق المتهمين من بينها عقل ممتلكاتهم ومنعهم من مغادرة التراب الوطني من خلال سحب جوازات سفرهم فضلا عن إصدار مذكرة بحث وطنية في حق المدير الجهوي السابق لأملاك الدولة الذي اختفى عن الأنظار مباشرة بعد إحالته على التقاعد ما أضفى مزيدا من التعقيد والغموض على الملف
وتُرتقب جلسة 20 يونيو الجاري بكثير من الاهتمام والمتابعة، نظرا لرمزية الملف وحجم الانعكاسات المترتبة عليه، سواء من حيث المسؤوليات المفترضة، أو ما يتعلق بمدى التزام القضاء بربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير الشأن العام المحلي وخاصة الأملاك العمومية التي تُعد رافعة أساسية في مشاريع التنمية المجالية
