
لم تكن عبارة “كاين اللي كيطحن غير الوراق” التي قالها السيد أحمد التويزي، رئيس الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، مجرد تعبير عابر أو زلة لسان كما روج البعض. بل كانت كلمة في محلها، رسالة سياسية واضحة وشجاعة، أراد من خلالها التويزي أن يعري واقعا يعرفه الجميع ويتحدث عنه الناس في السر والعلن: التلاعب في دعم الدقيق الموجه للفقراء.
فالسيد التويزي لم يكن يقصد أن هناك من يخلط الورق بالدقيق، بل أن هناك من يطحن الفواتير، أي أولئك الذين حولوا الدعم العمومي إلى مصدر للربح الشخصي، عبر فواتير وهمية وتلاعبات محاسباتية تجعل الخاسر الأكبر هو المواطن الفقير الذي ينتظر نصيبه من الخبز الكريم.
ولعل الخطير في الموضوع حسب احتجاجات مجموعة من المواطنين المستفيدين من الدقيق المدعم، ليس فقط في الفواتير، بل في جودة الدقيق المدعم نفسه، الذي لا يقارن من حيث الجودة والمذاق بدقيق الخبز الجيد الذي يستهلكه باقي المواطنين. الفرق بينهما واضح، فبينما يتمتع الدقيق الجيد بمعايير جودة عالية، يصل الدقيق المدعم إلى الأسر الفقيرة ضعيف القيمة الغذائية ورديء الطعم، حتى أن الكثيرين يفضلون تجنبه أو خلطه بأنواع أخرى لتحسينه.
لهذا، عندما تحدث التويزي عن “طحن الفواتير”، لم يكن يبحث عن الإثارة، بل قال ما يدور في صدور المغاربة. قال ما لا يجرؤ كثيرون على قوله داخل قبة البرلمان. وربما لهذا السبب، حاول البعض أن يحرف كلامه أو يفرغه من معناه الحقيقي، لأن من يخاف من فتح الملفات يختبئ وراء الجدل اللفظي، أو بالدراجة المغربية ” مول الفز تيقفز “.
لكن ما يعطي لتصريح التويزي ثقله السياسي هو أنه يتحدث من موقع قوة وشعبية حقيقية قريبة من معاناة المواطن البسيط . فالرجل ليس طارئا على الساحة، بل هو واحد من أكثر الوجوه السياسية حضورا بإقليم الحوز، ونتائجه الانتخابية تشهد على ذلك. ففي انتخابات 2019، اكتسحت لائحة الأصالة والمعاصرة التي يقودها، بحصولها على 22 مقعدا من أصل 27، بينما لم يحصل منافسه من العدالة والتنمية سوى على 4 مقاعد.
وفي انتخابات 2021، واصل حزب البام بقيادة التويزي اكتساحه لجماعة آيت أورير، حيث لم يحصل حزب التجمع الوطني للأحرار إلا على مقعدين فقط، رغم حضور رئيس الحزب شخصيا في الحملة الانتخابية، بل إن مرشح الأحرار في الدائرة التي يقطن فيها سقط بفارق كبير أمام لائحة التويزي.
هذه الأرقام لا تقرأ فقط انتخابيا، بل تعكس ثقة الناس في رجل يقول ما يفكر فيه المواطنون ويتكلم لغتهم.
إن ما أثاره التويزي حول “طحن الفواتير” ليس مجرد انتقاد، بل صرخة سياسية مسؤولة ضد العبث بمال الدولة وحقوق الفقراء. لأن الدعم العمومي وجد ليصل إلى المحتاجين، لا ليتحول إلى كعكة يتقاسمها البعض تحت الطاولة.
لقد آن الأوان لفتح هذا الملف بشجاعة، لأن القضية ليست في من “طحن الورق”، بل في من طحن جيوب المواطنين وجودة خبزهم.
المغاربة اليوم لا ينتظرون شعارات، بل إصلاحا حقيقيا يعيد الكرامة إلى خبز الفقير والمصداقية إلى الدعم العمومي.







