
تعيش الساحة السياسية المغربية هذه الأيام على إيقاع نقاش محتشم حول القوانين الانتخابية، نقاش يطبخ في غرف مغلقة وبين قيادات حزبية خاصة أحزاب الأغلبية، التي كشفت مصادر خاصة أنها متفقة على اقتراحات بعينها يتم التداول بشأنها حتى عبرؤ تطبيقات الواتساب، في وقت يغيب فيه صوت القواعد الحزبية ومناضليها وحتى عدد من البرلمانيين الذين يبدون في كثير من الأحيان بلا تصور واضح بشأن مقترحات أحزابهم. وضع يكرس انطباعا راسخا لدى الرأي العام بأن العملية لا تعدو أن تكون مجرد تمرين شكلي، وأن القرارات الجوهرية قد حسمت سلفا في كواليس وزارة الداخلية.
وزارة الداخلية منحت مهلة إلى غاية نهاية غشت لكل الأحزاب السياسية من أجل إعداد وتقديم تصوراتها ومقترحاتها بخصوص القوانين الانتخابية. لكن المتتبعين يرون أن هذه المهلة لم تكن سوى إطارا زمنيا لإضفاء طابع من المشاورة، بينما ظلت مسودة القوانين الأساسية مطبوخة مسبقا، ما جعل عددا من الفاعلين السياسيين يعتبرون أن المقاربة التشاركية المعلن عنها ليست سوى واجهة شكلية لإظهار أن هناك نقاشا وطنيا.
للافت في هذه المرحلة أن التعليمات الملكية التي صدرت خلال خطاب العرش الأخير شددت بشكل مباشر على ضرورة أن تكون القوانين جاهزة قبل نهاية السنة. وهذه التعليمات لم توجه إلى رئيس الحكومة كما جرت به العادة خلال المحطات الانتخابية السابقة، بل خصت وزير الداخلية بشكل مباشر. إشارة قوية فهم منها المراقبون أن هناك إرادة ملكية حازمة من أجل تنظيم انتخابات أكثر نزاهة ومصداقية، وإعادة الثقة إلى المؤسسات التمثيلية التي تضررت صورتها خلال السنوات الماضية بفعل ضعف المشاركة وعزوف المواطنات و المواطنين.
لكن في مقابل هذه الإرادة، تظل الأحزاب السياسية عاجزة عن خلق نقاش داخلي حقيقي حول القوانين الانتخابية. فالقواعد الحزبية لا تُستشار، والمناضلون مهمشون، بل إن بعض البرلمانيين أنفسهم يجهلون تفاصيل المقترحات التي تقدمها هيئاتهم. هذا العجز التنظيمي يعكس بوضوح أزمة الوساطة السياسية التي تعانيها الأحزاب المغربية، حيث تتحول القرارات المصيرية إلى رهينة بين أيدي قيادات محدودة العدد، دون إشراك فعلي لباقي المكونات.
الرأي العام من جانبه يراقب المشهد بكثير من الشكوك. فالمواطنون الذين فقدوا الثقة في المؤسسات السياسية يجدون أنفسهم أمام سيناريو متكرر، حيث تعد القوانين بعيدا عن أعينهم وتعلن في وقت لاحق باعتبارها ثمرة حوار وطني. في حين أن الواقع يكرس قناعة بأن الداخلية هي الفاعل المركزي، بينما تلعب الأحزاب دور المصفق أو المشارك الصامت.
إن السياق الحالي يضع الأحزاب أمام امتحان حقيقي: إما أن تثبت أنها قادرة على إعادة الاعتبار للعمل السياسي من خلال إشراك قواعدها وتوسيع النقاش حول القوانين الانتخابية، أو أن تستسلم لمنطق الصفقات الضيقة الذي لا يخدم سوى تكريس عزوف المواطنين. وفي ظل تعليمات ملكية واضحة تدعو إلى انتخابات نزيهة وذات مصداقية، فإن مستقبل العملية السياسية في المغرب سيكون رهينا بمدى قدرة الأحزاب على تجاوز منطق الغرف المغلقة ورسائل الواتساب والانفتاح على الرأي العام باعتباره شريكا أساسيا في صناعة القرار الانتخابي.






