
من كان يظن أن مراكش، تلك التي يتغزل بها الرحّالة ويُبهر بسحرها الزوار، ستصبح مدينة تستقبل ضيوفها بـ”بخور” النفايات وسمفونية البعوض؟ من كان يصدق أن أول ما يُشمه السائح وهو يغادر مطار المنارة، ليس عبق التاريخ أو أريج النخيل، بل خليطٌ ثقيلٌ من روائح القمامة المتعفنة تسبقه أسراب من الذباب والعفن؟
المحاميد، هذه المنطقة التي تشكل الواجهة الجنوبية للمدينة الحمراء، لم تعد مجرّد حي، بل أصبحت مرآة مقلوبة تعكس التناقض الصارخ بين ما يُسوّق من صور مراكش البهية، وما يعيشه المراكشيون من واقع صادم. في قلب هذا التناقض، يتمدد حي عين السنة، حي القول انه منسيّ كُتب عليه أن يُجاور بوابة مراكش ولا يحظى حتى بفتات الاهتمام.
هناك، لا شيء يعبّر عن “النظام”، سوى حاويات نفايات منكوبة تُقلَب على جنبات الطريق، ويُعبَث بمحتواها تحت جنح الظلام من طرف “الميخالة”، الذين باتوا يتكاثرون كالفطر، يفرزون ما تيسّر لهم ويتركون البقية تئن في الشمس. قمامة منثورة، روائح تزكم الأنوف، بعوض يلسع بلا رحمة، وسكان أنهكتهم الشكاوى وملّوا من مناشدة سلطة تبدو وكأنها لا تفتح عينيها إلا عند الفيلات السياحية أو المهرجانات الفارهة.
ففي المحاميد، وخاصة عين السنة، تتجلى المفارقة الموجعة: الحي قريب من المطار، لكنه بعيد عن الرؤية الرسمية؛ حي يختلط فيه صمت المسؤولين مع صخب القمامة، واحتجاج المواطن مع طنين الحشرات. هل هذا هو الحي الذي يُفترض أن يعكس أول انطباع عن المدينة؟ هل هذه هي “مراكش الراقية” التي تباهت بها الحملات الدعائية؟ لأن الجوهرة، حين تٌرمى في القمامة، تفقد بريقها… ومراكش، حين تستقبل زوارها بـ”عطر” النفايات، لا تليق بها كلمة “سحر”.

الواقع أن معاناة ساكنة عين السنة ليست استثناءً، بل هي نسخة مكررة من محنة تعيشها معظم أحياء المدينة، حيث تُترك الساكنة لمصيرها، وسط فوضى النظافة وتنامي الإهمال بصمت ثقيل. نشاط “الميخالة”، الذي يمكن أن يُنظم ويُقنن في إطار الاقتصاد التضامني، تحوّل إلى فوضى يومية تُحوّل الشوارع إلى مستنقعات نفايات، وتُهدد الصحة العامة.
![]()







