
يعيش القطاع السياحي في مراكش خلال هذا الصيف على وقع جدل واسع بسبب تراجع أعداد الوافدين مقارنة بالسنوات الماضية، وهو تراجع رافقته تبادلات حادة للاتهامات بين مختلف الفاعلين. فهناك من يُرجع السبب إلى الغلاء المفرط للأسعار، فيما يرى آخرون أن سوء تعامل بعض المهنيين هو العامل الرئيسي في تراجع جاذبية المدينة. لكن وسط هذا الجدل تبقى هناك ظاهرة خاصة بالمغرب دون غيره من الوجهات السياحية العالمية، وهي ظاهرة الأتاوة أو العمولة، التي يسميها المرشدون السياحيون بلهجتنا الدارجة “الجعبة”.
هذه الممارسة تحولت مع مرور الزمن إلى عرف معمول به، حيث يقتطع المرشد السياحي نصيبه من كل خدمة يقدمها السائح، سواء في مطعم أو فندق أو متجر أو حتى في الحمام المغربي. والنتيجة أن السائح يجد نفسه يدفع ما لا يعرف أنه جزء من لعبة خفية، بينما تستفيد شبكة كاملة من العمولات.
الغريب أن هذه الظاهرة، التي كان يفترض أن تبقى سلوكا شاذا، تحولت إلى قاعدة غير مكتوبة يتعايش معها الجميع. فعدد من المرشدين راكموا ثروات وممتلكات لا علاقة لها بمداخيلهم المعلنة، في حين يكافح مرشدون آخرون من أجل العيش بكرامة. الأخطر أن التطبيع مع “الجعبة” تجاوز المرشدين ليشمل أطرافا أخرى داخل المنظومة السياحية، حيث صار من المعتاد أن يصل نصيب البعض من تلك العمولات بشكل مباشر أو غير مباشر.
ما يجري اليوم يكشف بوضوح أن السياحة بمراكش لا تواجه فقط مشكل ارتفاع الأسعار أو ضعف جودة الخدمات، بل تعاني من اقتصاد موازٍ يقوم على الأتاوة والسمسرة. ولعل ما وقع في زمن سابق مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون خلال زيارته لمراكش، حين انفجرت قضية استغلال غير مهني، خير دليل على أن هذه الممارسات القديمة ألقت بظلالها على سمعة المدينة حتى على المستوى الدولي.
المطلوب اليوم ليس البحث عن مبررات أو حلول ترقيعية، بل مواجهة جذرية تقتضي أمرين: أولا، توفير ظروف اجتماعية محترمة للمرشدين السياحيين بما يحفظ كرامتهم ويغنيهم عن البحث عن دخل إضافي عبر أساليب مشبوهة؛ وثانيا، مواجهة المفسدين داخل القطاع بصرامة، سواء كانوا مرشدين أو مسؤولين أو أباطرة سياحة راكموا ثروات طائلة بطرق ملتوية دون حسيب أو رقيب.
إن مراكش، وهي عاصمة السياحة المغربية، لا يمكن أن تستمر في جذب ملايين الزوار على أساس صورة براقة تخفي وراءها أعرافا فاسدة. فالسائح الأجنبي لا يطلب سوى تجربة نقية وصادقة، بينما المغرب مطالب اليوم بإعادة بناء الثقة وإصلاح منظومة الإرشاد السياحي بما يجعلها وسيلة لتعزيز الثقافة والضيافة، لا مجرد قناة لتحصيل العمولات.
الخطر الآن واضح وحقيقي: استمرار هذه الظاهرة لن يهدد سمعة مراكش وحدها، بل قد يقوض المكانة السياحية للمغرب برمته، ويحول صناعة تعد أحد أعمدة الاقتصاد الوطني إلى فضيحة مفتوحة على التدقيق الدولي. ومن لم يتحرك اليوم بحزم وجرأة سيجد أن ما بني بعقود من سمعة وثقة يمكن أن ينهار في غضون موسم واحد فقط.







