
استضاف برنامج “مدارات” الذي تبثه الإذاعة الوطنية من الرباط، الباحث المغربي أحمد متفكر، أحد أبرز المهتمين بالتراث الثقافي المغربي، في حلقة خاصة سلطت الضوء على عمله في تحقيق وإصدار كتاب “اليواقيت العصرية” للعالم والمؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي. عبد الإله التهاني، معد ومقدم البرنامج، وصف ضيفه بأنه قدم إضافة نوعية في دراساته وتحقيقاته في التراث المغربي، لا سيما من خلال إشرافه على هذا العمل الموسوعي الذي صدر في ثلاثة أجزاء، مزودا بهوامش توضيحية شكلت مفاتيح لفهم عميق لمضامين الكتاب.
وأشار التهاني إلى أن أحمد متفكر يتصدر لائحة الباحثين المهتمين بالتراث المغربي في مجالات الفكر والأدب والتاريخ والفقه، حيث حقق ما يزيد عن 62 كتابا لمؤلفين مغاربة من مختلف الأجيال والجهات، خاصة أعلام الجنوب المغربي. وذكّر بأنه إلى جانب الدكتور حسن جلاب، كان من أوائل الباحثين الذين اهتموا بتراث ابن الموقت بتحقيق كتابه “السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية”.
وأوضح المتحدث أن كتاب “اليواقيت العصرية”، الذي صدر بمراجعة وتعليق من أحمد متفكر، يعكس صورة عن ثقافة عالم مغربي من النصف الأول من القرن العشرين، تميزت بثنائية المحافظة والنزوع إلى التجديد، وبسمات الشمولية والموسوعية والتنوع.
وفي حديثه عن مكانة ابن الموقت في المغرب خلال تلك الفترة، أكد أحمد متفكر أن هذا العالم الكبير لم يُنصف من قبل الجامعة ولا الباحثين، رغم كونه من أبرز الشخصيات الفكرية، وكان قد دق ناقوس الخطر مبكرا بشأن تغلغل الطرقية في المجتمع المغربي. وهو ما دفعه إلى تأليف كتابه “الرحلة المراكشية” الذي عرّى من خلاله بعض الطوائف التي كانت تستغل الدين، الأمر الذي جر عليه متاعب وانتقادات من بعض الأوساط الطرقية.
وسلط متفكر الضوء على خلفية طبع كتاب “اليواقيت العصرية” في مطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة عام 1930، مشيرا إلى الصراعات الفكرية التي أعقبته، وخصوصا الردود التي تلقاها من طرف الشيخ أحمد بلعياشي سكيرج، الذي رد عليه بكتاب، ما دفع ابن الموقت إلى إصدار تعقيب، لكنه صودر بأمر من الباشا الكلاوي.
وأكد متفكر أن ابن الموقت كان غزير الإنتاج، إذ ترك أكثر من مائتي مؤلف، شملت مجالات التاريخ، التصوف، الفقه، التفسير، الأدب، والفلاحة وغيرها. إلا أن جزءا كبيرا من تراثه فُقد، ولم يتبق سوى 42 مؤلفا مطبوعا، وما يقارب 45 مخطوطا، مما يدل على تفرغه للعلم رغم مهامه الرسمية كمسؤول عن التوقيت في جامع ابن يوسف بمراكش، خلفا لوالده.
واسترجع متفكر بدايات اهتمامه بكتاب “اليواقيت العصرية” مطلع الثمانينات، حيث أثار إعجابه أسلوب ابن الموقت الموسوعي ودفعه إلى تحقيق كتاب “السعادة الأبدية”. وأكد أن هذا الكتاب يعد مرجعا لا غنى عنه لكل باحث في تاريخ صلحاء مراكش.
وتحدث متفكر عن جهوده في تحقيق “اليواقيت العصرية”، موضحا أنه عمل على وضع هوامش توضيحية لكل فصل، عرف من خلالها بالشخصيات والأماكن، واستشهد بما يقرب من 700 مرجع، سعيا لتيسير فهم نصوص ابن الموقت أمام القارئ المعاصر.
وفي محور خاص بالفكر الجغرافي لدى ابن الموقت، أشار متفكر إلى أن هذا الأخير، رغم كونه فقيها وأديبا، إلا أن اطلاعه تجاوز المعارف التقليدية، حيث تناول قضايا إحصاء السكان في المغرب وأوروبا، وقدم معطيات دقيقة حول وضعية السكان في العالم العربي وآسيا، ما يدل على انفتاحه على الثقافتين العربية والغربية.
وفي ختام اللقاء، أعلن أحمد متفكر أنه يشتغل على إعادة طبع كتاب جديد لابن الموقت بعنوان “سبيل السعادة في معرفة أحكام العبادة”، وهو كتاب فقهي يتناول العبادات في المذهب المالكي بطريقة مبسطة، إلى جانب عمل آخر في باب “التوسلات والأدعية”، ما يؤكد استمرار جهوده في إحياء تراث هذا العالم المغربي الذي جمع بين الأصالة والحداثة.







