
قدم وزير العدل أمام مجلس النواب مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية، وذلك خلال جلسة عامة عُقدت يوم الثلاثاء 20 ماي 2025. وأشار في كلمته إلى أن المشروع حظي بمناقشة معمقة داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، حيث تم التفاعل مع 1384 تعديلا قدمها النواب، واستُجيب لجزء كبير منها بما يخدم تعزيز مضمون النص ويضمن ملاءمته للمرجعيات القانونية والمؤسساتية، بينما رُفضت باقي التعديلات لأسباب تتعلق إما بمخالفتها لمحددات النص أو لصعوبات لوجستيكية وبشرية تتطلبها عملية التنفيذ.
وأكد الوزير أن قانون المسطرة الجنائية يشكل الركن الأساسي في ضمان فعالية العدالة الجنائية باعتباره الأداة التي تنقل القانون الجنائي من مجرد نصوص إلى واقع عملي، مذكّرا بأن مبدأ الشرعية الجنائية لا يكتمل إلا بإصدار أحكام قضائية صادرة عن هيئات مختصة وفق إجراءات قانونية. وأوضح أن هذا القانون يتقاطع مع مسارين متوازنين يتطلبان التوفيق بين تحقيق الأمن بمواجهة الجريمة، وضمان المحاكمة العادلة وحماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
واعتبر أن هذا النص ليس قانونا عاديا بل يمثل دستورا للعدالة الجنائية، بالنظر إلى وظيفته المزدوجة، إذ يمنح سلطات إنفاذ القانون الوسائل القانونية لضبط الجريمة ومحاكمة مرتكبيها، وفي نفس الوقت يوفر للأطراف الأخرى الضمانات اللازمة للدفاع عن حقوقهم. وأشار إلى أن تاريخ المغرب لم يشهد منذ الاستقلال سوى نصين في هذا المجال، الأول سنة 1959 والثاني سنة 2003، مما يؤكد أهمية اللحظة التشريعية التي يعيشها البرلمان حاليا.
وشدد على أنه تابع شخصيا مسار إعداد هذا المشروع وما رافقه من صعوبات في الحكومات السابقة، وحرص على الانفتاح على كل الفاعلين في المنظومة القضائية من مؤسسات وهيئات دستورية ومصالح حكومية وأمنية ومهنية. وأوضح أن التعديلات التي عرفها المشروع تعكس تفاعلا مع مختلف المرجعيات والقراءات، رغم بعض المواقف السياسية الذاتية التي حاولت توظيف النقاش لتعطيل المشروع، مشيرا إلى أن قانون المسطرة الجنائية لا يمكن تجزيئه أو إخضاعه لحسابات فئوية أو سياسية لأنه يخاطب كل المواطنين بموضوعية وتجرد.
وأكد الوزير أن المشروع يأتي في سياق إصلاحي متكامل يروم مواكبة التحولات التي شهدها المغرب خلال العقدين الأخيرين على مستوى الحقوق والحريات، والالتزامات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ومكافحة الجريمة، فضلا عن تطوير عمل المؤسسات وخاصة في ما يتعلق بإحداث سلطة قضائية مستقلة. وأوضح أن المشروع ينسجم مع قوانين سابقة صدرت أو في طور الإعداد، كقانون تدبير المؤسسات السجنية وقانون العقوبات البديلة، ضمن رؤية شاملة لإصلاح العدالة الجنائية.
وأشار إلى أن إعداد هذا المشروع استند إلى محددات أمنية وحقوقية، وإكراهات الممارسة العملية، ومقتضيات تطوير النجاعة والفعالية القضائية، مع استحضار المرجعيات الوطنية والدولية. واستعرض الوزير أبرز التحديات التي فرضت ضرورة مراجعة القانون، من بينها ارتفاع معدل الجريمة منذ 2003، وتزايد الجرائم الحديثة مثل الجريمة السيبرانية، وتفاقم مشكل الاعتقال الاحتياطي واكتظاظ السجون، والحاجة إلى ملاءمة القانون مع الاتفاقيات الدولية، والبحث عن حلول أكثر إنسانية وفعالية لمواجهة الجريمة.
كما أشار إلى أن المشروع يعزز العدالة التصالحية، ويُدخل آليات جديدة كالإفراج المقيد وتبسيط المساطر وتوسيع استعمال الرقمنة في الإجراءات الجنائية، ويولي أهمية كبرى لحقوق الضحايا خاصة ضحايا الاتجار بالبشر من خلال ضمان خدمات الإيواء والدعم النفسي والتعويض، كما يوفر ضمانات إضافية خلال التحقيق الإعدادي، ويقوي موقع الدفاع في الدعوى العمومية، ويضبط مساهمة الجمعيات بما يراعي قرينة البراءة ويفتح المجال لمؤسسات الدولة لممارسة صلاحياتها في حماية المال العام.
وفي ختام كلمته، شدد الوزير على أن وزارة العدل حرصت على رصد جميع المقترحات والملاحظات بهدف الخروج بنص متكامل ينسجم مع أحدث الأنظمة الجنائية المقارنة، ويمكّن من إرساء عدالة فعالة ومتوازنة تتجاوز الاختلالات المسجلة في الممارسة، وذكر أن التعديلات المعتمدة شملت إعادة صياغة المواد وتعزيز حقوق الضحايا وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة، بما يجعل هذا المشروع لبنة أساسية في مسار بناء عدالة جنائية متطورة وعادلة.






