
من قلب جماعة تسلطانت، وعلى أرض استراتيجية كان من المفترض أن تتحول إلى قطب سياحي واقتصادي نابض بالحياة، يرقد مشروع “أطلس كاردن” كجثة هامدة منذ أكثر من 15 سنة، على مساحات شاسعة من الأرض الممتدة على ما يقارب 200 هكتار، والشاهدة على فشل ذريع وتهاون رسمي مثير للريبة.
مشروع ضخم وعد بتحويل المنطقة إلى وجهة سياحية فاخرة بمواصفات عالمية، وتحقيق آلاف مناصب الشغل، تحول إلى نقطة سوداء في سجل الاستثمار العقاري بالمغرب، بعد أن انتهى به الأمر إلى مجرد محطة مؤقتة لتجميع النفايات ومكب لبقايا الهدم والأتربة، في وضع لا يهدد فقط صحة السكان، بل يهدد صورة الجماعة كوجهة سياحية، ويشكل طردا غير مباشر للمستثمرين الجادين.
فصول هذا الملف تعود لسنة 2007، حيث وقعت اتفاقية ضخمة بين الدولة المغربية وشركة REEM INTERNATIONAL INVESTMENT Co-Morocco، حصلت بموجبه هذه الأخيرة على تفويت مشروط لبقعتين أرضيتين استراتيجيتين بمبلغ 100 مليون درهم، بمساحة إجمالية تقارب 200 هكتار، لإقامة مشروع “أطلس كاردن”، والطموح كان كبيرا، ثلاث فنادق، 525 فيلا فاخرة، 1356 شقة، مجمع تجاري ب1500 محل، ملعب غولف، وناد ترفيهي.
المشروع وصف حينها بأنه “أحد أكبر المشاريع السياحية بجهة مراكش”، بميزانية إجمالية تتجاوز 6.5 مليار درهم، وتعهد بخلق 6500 منصب شغل منها 5200 في القطاع السياحي. لكن، وبعد أكثر من 15 سنة، لا شيء من ذلك تحقق؛ لا فنادق، لا شقق، لا غولف، ولا فرص شغل، لا مجمعات تجارية، فقط أرض قاحلة تئن تحت وطأة الإهمال، ومخلفات البناء، وروائح النفايات، في مشهد يثير الاشمئزاز ويطرح علامات استفهام حول جدية المستثمر، وفعالية السلطات المعنية.
ورغم المصادقة على تصاميم المشروع منذ أكتوبر 2009 تحت رقم 272-12-09، لم تبادر الشركة إلى الحصول على التراخيص القانونية للانطلاق في الإنجاز، رغم أن المشروع حظي بموافقة مبدئية من لجنة الاستثناءات في ثلاث مناسبات (2006، 2009/07، و2009/11)، واستفاد من إعفاءات ضريبية سخية، ولم تفرض عليه أي التزامات مالية إضافية سوى إعادة بناء سرية الدرك الملكي والمركز متعدد الخدمات، المتواجدان فوق نفس الملك.
والأسوأ من ذلك، أن مديرية أملاك الدولة لم تحرك ساكنا لتفعيل الشرط الفاسخ المنصوص عليه في الاتفاقية، والذي يخول للحكومة فسخ العقد واسترجاع العقار بعد الإخلال بالالتزامات، والمادة 22 من الاتفاقية واضحة، إنذار، مهلة 6 أشهر، ثم فسخ؛ لكن لا إنذار وجه، ولا فسخ تم، ولا حتى تبرير رسمي صدر.
هذا الصمت الإداري المريب جعل المشروع يظل حبيس الأوراق، فيما استمرت الشركة في الاحتفاظ بعقار ثمين في موقع استراتيجي دون أي استثمار حقيقي، بالرغم من أن اللجنة المحلية للتتبع اقترحت منذ فبراير 2021 إعلان انتهاء صلاحية الاتفاقية، غير أن المقترح ظل حبيس الأدراج، دون أي قرار رسمي بفسخ العقد أو استرجاع العقار. فهل نحن أمام تواطؤ؟ أم مجرد إهمال؟، أم أن هناك مصالح خفية تحمي هذا المشروع من المحاسبة؟.
ما جرى في قضية “أطلس كاردن” ليس مجرد إخلال إداري، بل جريمة اقتصادية وتنموية في حق جماعة تسلطانت وعمالة مراكش عموما؛ فحين تمنح أراض عمومية بالملايير لمستثمرين لا ينجزون، ولا يحاسب أحد، فإننا أمام منظومة عرجاء تسمح بالإفلات من المسؤولية، وتحول الاستثمار من أداة للتنمية إلى وسيلة للريع والمضاربة العقارية.
والمطلوب اليوم ليس فقط فتح تحقيق شامل في هذا الملف، بل محاسبة كل من تورط في هذا التراخي، سواء من داخل الشركة أو من داخل الإدارات العمومية، مع التعجيل بمباشرة مسطرة استرجاع هذا العقار العام، فالموقع الذي يحتله مشروع “أطلس كاردن”، يمكنه أن يحتضن مشاريع استثمارية حقيقية، توفر فرص شغل وتنعش الاقتصاد المحلي.







