
في واقعة غير مسبوقة هزت الرأي العام المحلي بمراكش والوطني كذلك، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو كالنار في الهشيم، يظهر فيه شخص يدعي أنه يتاجر في مسكر “الماحيا” منذ سنوات، لكنه اليوم قرر كسر جدار الصمت والحديث بصوت عال بعد ما وصفه بالظلم الفادح الذي طال شقيقه الأصغر.
المتحدث في الفيديو صرح بوضوح أن أخاه لم يسبق له أن باع لترا واحدا من الخمور أو أي نوع من المخدرات، مؤكدا أن الكميات التي وجدت بحوزته وخاصة مادة الحشيش تمت إضافتها له بشكل متعمد في ظروف غامضة ومثيرة للريبة. الأخ الأكبر، الذي لم يخف اعترافه ببيع “الماحيا”، شدد على أنه هو أيضا لم يتاجر يوما في مخدر الحشيش، معتبرا ما وقع محاولة لتصفية حسابات أو تغطية على مروجين آخرين.
جريدة “مراكش الإخبارية”، وبما عرف عنها من مصداقية ومهنية عالية، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الادعاءات الخطيرة، فقامت بفتح تحقيق ميداني قاد فريقها إلى الحي الذي يقطن فيه المعنيان. والنتيجة؟ شهادات صادمة ومتناقضة تماما مع الرواية الأمنية المتداولة. عدد من الجيران، بمن فيهم أشخاص كانت لهم خلافات سابقة مع الشخص الظاهر في الفيديو وشكايات ضده، ما يجعل من شهادتهم ثقيلة الوزن ومحملة بعبارة “الحق ما شهد به الأعداء”، أكدوا للجريدة أن لا علاقة لهذا الأخير بتجارة الحشيش، ولا علاقة لأخيه المعتقل بتجارة الممنوعات، بل كان هذا الأخير حسب شهاداتهم يشتغل بعرق جبينه في مهن حلال وشريفة، بعيدة كل البعد عن عالم المخدرات.
وأمام هذه المعطيات الخطيرة التي لا تحتمل التأجيل أو التستر، وأمام تنامي الشكوك حول تجاوزات مهنية محتملة، بات لزاما على المديرية العامة للأمن الوطني أن تتفاعل بسرعة ومسؤولية مع هذه القضية، بما يليق بسمعتها المعروفة في الحزم والشفافية في التعامل مع أي ادعاء أو شكاية، سواء صدرت عن مواطنين أو تم تداولها عبر وسائل الإعلام. ابتداء من توقيف رئيس فرقة الشرطة القضائية بالمنطقة الأمنية الثانية مؤقتا عن العمل، تطبيقا لمقتضيات النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني، وتماشيا ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي تعتمده المؤسسة الأمنية كمنهج ثابت في تدبيرها اليومي للشأن الأمني. وذلك إلى حين انتهاء التحقيقات وتحديد المسؤوليات الإدارية أو الجنائية المحتملة، بعد تكليف الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بفتح بحث قضائي دقيق وشامل، تحت إشراف النيابة العامة المختصة، من أجل التحقق من صحة الادعاءات الواردة في الشريط المذكور، وكذا الوقوف على مدى احترام الإجراءات القانونية في عملية توقيف الشاب المعتقل أخ صاحب الفيديو وإحالته على العدالة.
الكرة الآن في ملعب الجهات المختصة، والأعين متجهة نحو نتائج التحقيق المنتظر، الذي سيكشف حقيقة ما جرى، سواء لتأكيد رواية الفيديو أو لدحضها. فما جرى اليوم لا يهم شخصا بعينه بقدر ما يمس ثقة المواطنين في أجهزة إنفاذ القانون، وهي ثقة بنيت على أسس من النزاهة والالتزام بالمساطر القانونية.
وللإشارة فقط: جريدة مراكش الإخبارية، ارتأت التريث وعدم الخوض في تفاصيل هذه القضية في حينها، نظرا لتزامنها مع موجة الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد، والتي تطلبت تغطية دقيقة ومسؤولة حفاظا على التوازن الإعلامي وعدم تأجيج الرأي العام في لحظة توتر اجتماعي. والخوض في هذه القضية اليوم، لا نهدف من خلاله إلى التشهير أو التشكيك في مؤسسات الدولة، بل نمارس دورنا المهني في تسليط الضوء على قضية تستحق التحقيق والتدقيق، حماية لحقوق الأفراد، وصونا لهيبة القانون، وتأكيدا على أن لا أحد فوق المحاسبة.
مع فائق الاحترام لقرينة البراءة الدستورية لرئيس فرقة الشرطة القضائية بالمنطقة الأمنية الثانية، ولصاحب الفيديو موضوع المقال ولأخيه المعتقل.







