
فاطمة الزهراء المنصوري، العمدة والوزيرة في آن واحد، تبدو اليوم رمزاً لتضارب المسؤوليات وغياب الفعالية. فهي تمسك بمفاتيح مقعدين؛ وزارة التعمير والإسكان من جهة، وجماعة مراكش من جهة أخرى، لكن لا هذه نالت نصيبها من الإصلاح، ولا تلك وجدت من يرعاها كما يجب. الازدواج في المناصب لم يثمر تنمية ولا حلولاً ملموسة، بل خلق مدينة متعبة تغرق في الوعود المؤجلة والمشاريع الناقصة، بينما المسؤولة الأولى تكتفي بخطابات منمقة وظهور إعلامي لا يغيّر من واقع المراكشيين شيئاً.
مشروع “الغالي” و“بساتين الواحة” كانا عنواناً لحلم السكن اللائق، لكنه سرعان ما تحوّل إلى كابوس يؤرق مئات الأسر التي وجدت نفسها ضحية نصب واحتيال وتماطل. المواطنون ينتظرون تسليم شققهم منذ سنوات، بينما الملفات تتقاذفها المكاتب، ولا صوت يسمع من الوزيرة التي يفترض أن تكون أول من يتحرك لإنصافهم، لأنها في الآن ذاته عمدة المدينة التي تحتضن تلك المشاريع. تناقض صارخ بين الخطاب والممارسة، وبين وعود الإصلاح وواقع الإهمال.
وفي الشوارع، تتجسد صورة أخرى من التناقض. فالأحياء التي كانت تنتظر تنظيم الأسواق والفوضى، عرفت مشاريع ما سمي بـ”الأسواق النموذجية”، لكنها تحولت إلى بنايات إسمنتية باردة أو أوراش متوقفة، لا أثر فيها للحياة. الباعة الذين وعدوا بمحلات تليق بكرامتهم وجدوا أنفسهم من جديد على الأرصفة، في مواجهة الشمس والسلطات، دون بديل واقعي أو رؤية واضحة.
أما النظافة، فقد صارت عنواناً فرعياً في رواية الإهمال. فمراكش التي طالما تباهت بجمال أحيائها وبهاء ساحاتها، تغرق اليوم في أكوام النفايات. الأحياء الهامشية تئن تحت ثقل الإهمال، والمناطق السياحية تحاول إخفاء العيوب بطلاء مؤقت. شركات النظافة تعمل على هواها، والرقابة في سبات عميق، بينما العمدة تغيب عن المشهد وكأن المدينة ليست تحت وصايتها.
وفي قلب كل هذا، يقف الاختناق المروري شاهداً على فشل التخطيط. الشوارع تغلي كل صباح، والازدحام يلتهم الوقت والأعصاب. كانت هناك وعود بإنجاز سبعة أنفاق أرضية لتخفيف الضغط، لكنها بقيت حبيسة الرفوف، تماماً كما بقيت مشاريع “مراكش الذكية” و“مراكش الخضراء” مجرد شعارات. والنتيجة، أن السائق المراكشي صار يحفظ مواقع الزحام أكثر مما يحفظ أسماء الشوارع.
حتى مواقف السيارات لم تسلم من الفوضى. فكل زاوية في المدينة تحولت إلى مساحة مؤدى عنها، رغم أن القانون ينص على مجانية عدد منها. المواطن يدفع مضطراً، والحراس غير الرسميين يحتلون الأرصفة، والبلدية تكتفي بالمشاهدة، في مشهد يعكس غياب النظام والمحاسبة.
ثم يأتي جرح الزلزال، الذي لم يلتئم بعد. فالملفات ما تزال عالقة، والأسر المتضررة تنتظر إعادة الإيواء أو التعويض. كثير من الوعود ذهبت أدراج الرياح، واللجان التي تشكلت ذابت في البيروقراطية. المدينة التي قاومت الكارثة بأيدي أبنائها، تُركت تواجه تبعاتها وحدها، دون متابعة فعلية من مسؤوليها.
في النهاية، لا يبدو أن مراكش بحاجة إلى وزيرة إضافية أو إلى عمدة مزدوجة، بل إلى مسؤول واحد يحمل همّ المدينة بصدق، لا أن يتنقل بين المنابر والكراسي. فاطمة الزهراء المنصوري لم تنجح في أن تكون صوت مراكش، ولا ذراعها التي تمتد للإصلاح، بل تحولت إلى رمز لزمن سياسي تتغلب فيه الصورة على الفعل، والمنصب على المسؤولية. مراكش اليوم لا تحتاج إلى شعارات جديدة، بل إلى صحوة ضمير. فقد ملّ أهلها الوعود، وسئموا الانتظار، وما عادوا يطلبون أكثر من مدينة تُدار بالعقل والصدق، لا باللقب والموقع.







