
تُعد الانتخابات في المغرب محطة أساسية لترسيخ الممارسة الديمقراطية وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين، وإشراكهم في تسيير الشؤون المحلية. ورغم الجهود المبذولة لتطوير فعالية الأحزاب ومكانتها في المشهد السياسي وبناء منافسة انتخابية قائمة على البرامج والكفاءات، يظل للأعيان دور بارز في العمليات الانتخابية، خصوصاً في المناطق القروية وشبه الحضرية والمداشر.
الأعيان هم شخصيات محلية ذات نفوذ اقتصادي أو اجتماعي أو عائلي أو سياسي كبير، مثل شيوخ القبائل ووجهائها ورؤساء الجماعات وكبار التجار وأعيان العائلات المعروفة. هذه الشخصيات تتمتع بمكانة تجعلها قادرة على توجيه خيارات الناخبين بفضل شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية والعائلية، وتمكنهم من حشد الناخبين وتقديم خدمات مباشرة للسكان.
في العديد من القرى والمداشر، يُنظر إلى الأعيان كوسطاء بين السلطة والمجتمع، ما يمنحهم دعماً شعبياً واسعاً لهم أو للمرشحين الذين يزكونهم. وتعتمد الأحزاب غالباً على الأعيان لضمان الفوز بعدد من الدوائر الانتخابية، مما يحول المنافسة أحياناً إلى صراع بين أشخاص أكثر من كونها منافسة بين برامج، ويُضعف الالتزام الحزبي والإيديولوجي.
وينعكس ذلك على المشهد الانتخابي حيث يطغى الانتماء العائلي أو القبلي على حساب الاختيارات السياسية المبنية على البرامج والمخططات التنموية، ما قد يقلل من البعد الديمقراطي والتمثيلي للمؤسسات المنتخبة، ويجعل الناخبين رهائن للولاءات التقليدية بدل الاختيار الحر المبني على تقييم الأداء السياسي.
ورغم الانتقادات، يعكس حضور الأعيان الواقع الاجتماعي والسياسي المغربي، إذ يساهمون أيضاً في ضمان الاستقرار وحل النزاعات المحلية وتمثيل مصالح السكان لدى السلطات. لكن التحدي يكمن في الانتقال من انتخابات قائمة على النفوذ والعلاقات التقليدية إلى انتخابات تعتمد على البرامج والكفاءات والرؤية المستقبلية، وهو ما يتطلب إصلاحات سياسية وثقافية جذرية وطويلة الأمد.
ويبقى دور الأعيان في الانتخابات سلاحاً ذا حدين: فمن جهة يوفرون دعماً انتخابياً ويساهمون في رفع نسبة المشاركة، ومن جهة أخرى قد يحدون من تطور الممارسة الديمقراطية إذا ظل النفوذ الشخصي يتغلب على التنافس البرنامجي والسياسي. وتعزيز الديمقراطية التمثيلية في المغرب يمر عبر تقوية الأحزاب، ودعم المشاركة الواعية للمواطنين وخاصة الشباب، وتقليص الاعتماد على الأعيان كمحرك أساسي للعملية الانتخابية.







