
اهتزت مدينة مراكش مؤخرا على وقع واقعة أثارت الكثير من الجدل، بعد تداول مقطع فيديو يظهر ضابط أمن يعمل بفرقة السير الطرقي بالمنطقة الأمنية الثانية وهو في وضعية يفترض أنها محاولة لطلب رشوة من سائق سيارة نفعية؛ مما دفع المديرية العامة للأمن الوطني لاتخاذ قرار توقيفه مؤقتا عن العمل وفتح بحث إداري، لتحديد كافة ملابسات الواقعة، في احترام تام لمبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يخوله النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني. وهو قرار من القرارات التي دأبت عليها المديرية العامة للأمن الوطني في عهد مديرها العام الحالي، لمساءلة كل من يسيء إلى شرف المهنة.
مقطع الفيديو المذكور، سرعان ما غزا مواقع التواصل الاجتماعي، لتنطلق معه موجة من التشهير في حق جهاز الأمن الوطني، وكأننا أمام محكمة ميدانية لا تحتاج إلى قاض أو محام أو أدلة مكتملة، بل يكفيها فيديو مقتطع من سياقه ليصبح عنوانا لإدانة لجهاز الأمن الوطني ككل؛ لنجد أنفسنا باعتبارنا أهل حق ملزمين بمناقشة حيثياث هذا الموضوع من جهة أخرى، ليس دفاعا عن الخطأ ولا تبريرا للإنحراف المهني، ولا نصرة لهذا الشرطي ظالما أو مظلوما أو إشادة بفعله هذا، بل نصرة للحق كما يبدو بنظرة الأسوياء، وإن كان لا شيء يبرر فعلته، خاصة أننا نعرف هذا الشرطي، ونعرف “آش كايسوا”، ولن ننافق، فلو كان الأمر يتعلق بهذا الشرطي شخصيا، والله ما دافعنا عنه، لأنه لم يكتف بتلويث صورته الشخصية والخروج من دائرة الاحترام، بل قدم طبقا من ذهب لكل من يتربص بسمعة المغرب وأمنه، وفتح بابا واسعا أمام من يتمنون لهذا الجهاز الأمني السقوط، فلا سامحه الله على ما فعله، ولا سامح كل من استغل الواقعة لتصفية حسابات ضيقة مع جهاز الأمن الوطني؛ لكننا هنا لا نتحدث عن شخصه، بل عن ما هو أكبر منه بكثير، صورة الوطن، سمعة جهاز الأمن الوطني، ومشاعر أسرته البريئة، وكلها أغلى وأشرف منه.
ولا جدال في أن الاجتهاد القانون يتيح للمواطن توثيق أي واقعة يعتقد أنها تمثل خرقا للقانون أو تجاوزا مهنيا، إذا كان الهدف من هذا التوثيق هو التبليغ مع تسليمه مباشرة للمسؤولين الأمنيين أو الجهات القضائية المختصة، لا نشره على منصات التواصل الاجتماعي بشكل انتقامي لا يحمل أي نية إصلاحية وبطريقة تمس بسمعة الأشخاص والمؤسسات على حد سواء، وتحويله إلى أداة للتشهير والتشفي، فالفعل هنا يتجاوز حدود التوثيق المشروع إلى التشهير المجرم قانونيا، خاصة إذا ترتب عنه ضرر معنوي أو اجتماعي؛ وهذا بالفعل هو ما قام به مصور الفيديو، حيث فضل خيار التشهير والفضح العلني، على الخيار القانوني، في مخالفة واضحة للقانون، مما يستوجب مساءلته أيضا، خاصة أننا لسنا أمام مجرد مواطن وثق لحظة عابرة، بل أمام حالة واضحة من التربص المسبق، فمصور الفيديو الذي اتضح أنه “تيكتوكر” معروف، كان يرتدي نظارات Ray-Ban Meta المزودة بكاميرا تستعمل خصيصا للتصوير الخفي، ما يكشف أن الأمر لم يكن وليد الصدفة، بل عملية مدروسة لاستدراج رجل الأمن وتوثيق المشهد بأي طريقة، ثم إطلاقه في فضاء التشهير الرقمي، من أجل اصطياد محتوى مثير يدر المشاهدات والمتابعات، ولو على حساب سمعة الأشخاص وهيبة المؤسسات.
ثم، إن القانون فوق الجميع، وأن محاسبة الشرطي المذكور إن تبث في حقه الجرم واجبة بلا تردد، وأن القانون كفيل بكشف الحقيقة، لكن في الوقت نفسه نتمسك بضرورة حماية كرامة هذا الشرطي من التشهير، فمن وراء زيه الرسمي أسرة وأبناء كبار، يتابعون ما جرى لوالدهم بقلق وألم بالغين، وكيف تداس كرامته تحت أقدام محاكم الفيسبوك ومنصات الفضائح التي لا تملك لا الصفة ولا الشرعية؛ فهل من الإنصاف أن يشهر به بهذه الطريقة المهينة دون مراعاة لكرامة وإنسانية ومشاعر أسرته؟، هل من العدل أن يحاكم هذا الشرطي اجتماعيا قبل أن يحاكم إداريا أو قضائيا؟.
وختاما، وفي ظل تزايد حملات الاستهداف والتشويه الممنهجين ضد جهاز الأمن الوطني، سواء من الداخل أو الخارج، فإن التشهير بهذا الشرطي ليس فعلا بريئا، بل انتقام مقنع المقصود منه النيل من جهاز الأمن الوطني، وتشويه من يرتدي هذا الزي الرسمي، لا كأفراد، بل كمؤسسة، وهو ما يجب معه متابعة كل من تورط في نشر أو إعادة نشر هذا الفيديو، ليس إنصافا للشرطي كفرد، بل حماية لصورة وسمعة جهاز الأمن الوطني، ودفاعا عن هيبة الدولة هذا من جهة، ودفاعا عن أسرة هذا الشرطي من جهة أخرى.






