
عقل الدولة يتصدى لانحرافات حكومة زواج السلطة والمال وجنوح وزرائها لخنق حقوق الدفاع وشروط المحاكمة العادلة ،حدث ذلك بمناسبة رفض المحكمة الدستورية لمجموعة من المواد الواردة في قانون المسطرة المدنية ومنها المادة 17 التي اثارت جدلا كبيرا والتي منحت النيابة العامة حقا مطلقا لهدم حجية الاحكام القضائية النهائية دون تقييدها بأية آجال وهو مايهدد استقرار المعاملات ويجعل الحقوق دائما فوق كف عفريت ،ويدفع الناس إلى الشعور بغياب الآمان والأمن ،مع ان الاحكام القضائية تهدف إلى تكريس الأمن القانوني والقضائي
كما تصدت ذات المحكمة إلى مقتضيات لها صلة بالتبليغ كما هو الشأن بالنسبة للمادة 84 والتي اعتبرت ان تبليغ الوكيل او اي شخص يصرح بانه يعرف ويعمل لفائدة الشخص المراد تبليغه او يسكن معه …هو تبليغ صحيح ،وكان هدف القائمين على اخراج هذه المادة هو السعي لحل اشكالية التبليغ على حساب حقوق الدفاع وتحميل المتقاضين تكلفة ذلك في انتهاك صارخ لقواعد المحاكمة العادلة ،حتى ان وزير العدل بات يفكر في تبليغ الناس هاتفيا عبر الرسائل القصيرة ،بل وذهب بعيدا واكد انه يفكر في تكليف شركات مثل “شركات توصيل الطلبات”بان تتكلف بنقل الاحكام والوثائق وتسليمها لأصحابها ،إنه عنوان صارخ لحكومة ومسؤولين فاشلين وتائهين لايمكنهم ان يدبروا امر مكتب صغير جدا في حي الرياض فمابالك ان يدبروا امور شعب باكمله
كما تصدت المحكمة الدستورية مشكورة للمادة 107 و 364 اللتين تمنعان الدفاع من التعقيب عن مذكرات ومستنتجات المفوض الملكي في انتهاك واضح وصريح لحقوق الدفاع المكرسة كونيا ودستوريا وقضائيا
الحكومة ليست هي الدولة ،هكذا قالت المحكمة الدستورية في قرارها ،لانها هي الحريصة على احترام الشرعية الدستورية والمكتسبات الحقوقية والقواعد القانونية والقضائية المتأصلة منذ عقود من الزمن ،والتي لايمكن العبث بها ارضاء لتطلعات نخبة سياسية تطمح إلى اغلاق كل الأقواس والنوافذ التي ينبعث منها شعاع الضوء والامل
هي صفعة في وجه حكومة يتقن وزراؤها التنطع والتهريج والصراخ الفارغ ،وزراء حين يتكلمون تشعر انهم لايفقهون في القانون ولا في السياسة ولكن يجيدون جيدا تهديد المغاربة والاستقواء على الضعفاء وتوظيف البرلمان للتشريع لحفنة من المستفيدين من واقع الفساد والريع والاثراء غير المشروع
ولذلك نجد اليوم حكومة الأوليغارشية المالية تتردد في احالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية خوفا من ان ترتد نصوصها ضد رغبتها السياسية في اغلاق الحقل المدني وتجريم التبليغ عن الفساد وحماية زبنائها المتورطين فن نهب المال العام واستغلال مواقع المسؤولية لمراكمة الثروة ،وهكذا ففي الوقت الذي منحت حكومة تضارب المصالح والإثراء غير المشروع صلاحيات للنيابة العامة بالطعن ضد الاحكام النهائية دون تقييدها بأي أجل كما هو حال المادة 17 من المسطرة المدنية المذكورة أعلاه ،فانه وبخلاف ذلك فانها منعت النيابة العامة من تحريك الابحاث والمتابعات القضائية ضد لصوص المال العام كما تفيد المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية ،انها مفارقة غريبة ذلك انه لما تعلق الأمر بحقوق عامة الناس فانها منحت للنيابة العامة سلطة مطلقة ،وقيدتها وغلت يدها وتطاولت على صلاحياتها كلما تعلق الأمر بالنخبة المتورطة في نهب واختلاس المال العام (المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية )
ولذلك فاننا في الجمعية المغربية لحماية المال العام نجدد مطالبنا باحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية والتي لامحالة ستقضي بعدم دستورية المادتين 3 و7 على الاقل من هذا المشروع ،لأن المادتين تشكلان عنوانا واضحا لاستغلال البرلمان من طرف نخبة ريعية فاقدة للمصداقية لتحصين لصوص المال العام والتشريع لفائدتهم لتحصينهم من المساءلة والرقابة المجتمعية ،في انتهاك سافر لدور المجتمع المدني في تقييم السياسات العمومية المضمون دستوريا وبمقتضى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب ونشرت في الجريدة الرسمية ،كما ان المادتين تشكلان عنوانا لانحراف تشريعي جسيم بالتطاول على صلاحيات النيابة العامة وانتهاك قاعدة فصل السلط
محمد الغلوسي




