
أثار الكاتب والإعلامي عبد الإله التهاني قضية حضور اللغة العربية في الإعلام العمومي المغربي، من خلال مداخلة معمقة ومتوازنة في برنامج “الوسيط” الذي يبث على القناة الأولى، حيث قدم قراءة تحليلية لوضع اللغة العربية في القنوات الإذاعية والتلفزية التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
وأكد التهاني أن اللغة العربية لا تزال تحتفظ بمكانة قوية في الشبكة البرامجية للقنوات العمومية، مشددا في الوقت ذاته على أن الحفاظ على هذه المكتسبات يتطلب يقظة مستمرة وتصحيح بعض الانزلاقات التي قد تمس الذوق العام والهوية اللغوية.
وأشار التهاني إلى أن حوالي 80 بالمئة من الإنتاج البرامجي في قنوات القطب العمومي يتم باللغة العربية، سواء تعلق الأمر بالبرامج الثقافية أو الحوارية أو الدينية، معتبرا أن هذا المعطى يشكل مصدر اطمئنان ويعكس التزام الإعلام العمومي بوظيفته في نقل المعرفة وترسيخ القيم من خلال لغة وطنية جامعة.
وأوضح أن اللغة العربية تشكل “الخيط الناظم” للمضامين التوعوية والتثقيفية، ما يجعلها الخيار الأمثل لنشرات الأخبار والبرامج ذات الطابع الإخباري والتوجيهي، نظرا لما تتمتع به من قدرة على التأثير والارتقاء بمستوى الوعي الجماعي.
وفي المقابل، لم يغفل التهاني الإشارة إلى بعض التحولات المجتمعية التي بدأت تؤثر على المشهد الإعلامي، وفي مقدمتها تزايد الاعتماد على الدارجة أو لهجات هجينة في بعض الإنتاجات الدرامية والبرامج الترفيهية. ورغم اعترافه بأهمية الدارجة كلغة تواصل شعبي تسهم في تبسيط الرسائل وتقريبها من الفئات غير المتمدرسة، حذر من الاستعمال المفرط لها ومن انزلاقها إلى لغة سطحية تفتقر إلى الذوق والتهذيب، عكس حضورها الأصيل في فن الملحون والإنتاجات الكلاسيكية.
كما توقف التهاني عند التقرير الأخير للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، معتبرا إياه مرجعا مؤسساتيا مهما يجب التعاطي معه بجدية، لما تضمنه من معطيات دقيقة عن وضع اللغة العربية في الإعلام العمومي. وأشاد بمنهجية التتبع والرصد المعتمدة في التقرير، والتي أكدت استمرار تصدر اللغة العربية للمشهد الإعلامي، لكنه في الوقت ذاته دعا إلى بذل مزيد من الجهد من أجل تحصين هذه المكانة، خصوصا في ما يتعلق ببعض المسلسلات والأفلام والمواد الإشهارية التي باتت تعرف تسربا للغة هجينة تعكس تراجعا خطيرا في الذوق اللغوي.
واعتبر التهاني أن النقاش حول موقع اللغة العربية لا يجب أن يظل محصورا في زاوية الأداء الإعلامي فقط، بل ينبغي النظر إليها كلغة جامعة ذات بعد روحي وثقافي متجذر، ترتبط بالدين والهوية والانتماء، مما يجعل أي تراجع في استخدامها داخل الإعلام العمومي بمثابة تقصير في أداء الواجب الوطني تجاه لغة الوطن والدين.
وفي مقترح عملي لتجاوز هذه الإشكالات، دعا التهاني إلى إحداث وظيفة “مدقق لغوي” داخل القنوات الإخبارية، تكون مهمته ضمان سلامة اللغة في النشرات والبرامج، معتبرا أن هذه الخطوة من شأنها حماية اللغة العربية من الأخطاء وتعزيز ثقة المواطنين في الإعلام العمومي كمؤسسة مدافعة عن الهوية اللغوية والثقافية للمجتمع المغربي.







