
في لحظة صدق مع النفس، قررت ان ادخل عالم السياسة. لم يكن القرار سهلا، لكنه كان ضروريا. كنت احلم ان اساهم، ولو بجزء بسيط، في تغيير واقع مدينتي مراكش، المدينة التي تسكنني كما تسكن وجدان كل من زارها يوما.
بحكم انتمائي المهني، كنت قريبا من العمل الحزبي. التحقت بحزب كنت اعتقد انه نخبوي، يضم كفاءات ورجال ونساء يؤمنون بالتغيير. استقبلوني بترحاب، وقيل لي ان جيليز ستكون مجال عملي. فرحت، وبدأت العمل بكل حماس.
في اللقاءات الاولى، بدا لي ان الحزب يهتم فعلا بالفئات الهشة، خاصة في مناطق مثل دوار الكدية ومحيطها. كنت اشاهد نساء ورجالا بسطاء يمثلون جمعيات مهنية، يُستقبلون بحفاوة كأنهم افراد من العائلة. لكن بعد فترة قصيرة، اكتشفت الحقيقة المرة: هؤلاء مجرد خزّان انتخابي يُستعمل وقت الحاجة مقابل قفف ووعود كاذبة.
طرحت سؤالا بسيطا: ماذا عن ساكنة جيليز الحديث؟ هؤلاء من الطبقة المتوسطة والعليا، لا يبحثون عن مساعدات، بل عن رؤية ومشاريع. لم احصل على جواب، ولم يهتم احد بما قلت.
لاحقا، طلبوا منا الحضور للقاء مسؤول كبير في الحزب. بدا الرجل متعجرفا، وسألنا بطريقة مهينة: شحال جمعتو ديال الناس؟ كأننا نعد قطيعا لا مواطنين. ثم قال: خاصنا شي راجل يقودكم فالمدينة. فهمت من بعض الحاضرين ان الحزب يبحث عن وجه ثري، له علاقات وتجربة، لقيادة الحملة.
وبعد ايام، تم الاعلان عن اسم القائد الجديد: شخصية معروفة، سبق لها الانتماء لحزب اخر، وتلاحقها ملفات قضائية. هنا قررت المغادرة وقدمت استقالتي دون تردد.
لكن التجربة لم تتوقف. بعد شهور، تواصل معي حزب اخر، من احزاب الاغلبية الحكومية اليوم. ظننت اني سأجد الاختلاف، لكن الواقع كان اسوأ. نفس الممارسات، نفس الوجوه، ونفس استغلال المواطن.
الخلاصة التي خرجت بها من هذه الرحلة القصيرة هي ان المشهد السياسي في مراكش يعيش حالة فراغ رهيب. تسوده الرداءة، والزبونية، واصحاب الشكارة، وسماسرة الانتخابات الذين لا يظهرون الا كل خمس سنوات. المواطن الذي يبيع صوته مقابل قفة لا يُلام، فهو ايضا ضحية منظومة مختلة.
اليوم، وبعد مرور اربع سنوات، كيف اصبحت المدينة؟
مراكش من اوسخ مدن المملكة
المدينة تحولت الى مأوى للمشردين والمرضى العقليين
اسواق عشوائية للمهاجرين الافارقة دون تنظيم
جيليز الذي ترعرعت فيه تحول الى بؤرة للفوضى والانحراف
زحام، روائح كريهة، غياب تام للمراقبة
فماذا ننتظر؟ هل نحتاج الى زيارة ملكية لتحرك السلطات؟ هل نحتاج الى والي صارم كما في الدار البيضاء؟
اقولها بوضوح: الحل بيد وزارة الداخلية. نحتاج الى والي من طينة الكبار، يعيد لمراكش هيبتها وتنظيمها ويقود الاصلاح.
اما المجالس المنتخبة، فمنذ عهد الجازولي الى اليوم، لم تنجز شيئا يذكر. مراكش تعيش على سمعتها القديمة وبعض الاستثمارات الخاصة فقط.
رسالتي الى ابناء مراكش:
انهضوا. ارفعوا اصواتكم. حان الوقت لتظهر نخب جديدة، من رحم المدينة، تواجه العبث وتتصدى للفشل المتكرر.
المرحلة المقبلة مفصلية، فكونوا في الموعد.







