فشل ذريع في تدبير ضرائب السكن والخدمات الجماعية يحوّل مصالح المواطنين والجالية إلى رهينة الفوضى والارتباك

لم تمض سوى أسابيع قليلة على دخول القانون الجديد المتعلق بتحويل اختصاصات تدبير الضرائب المحلية من الخزينة العامة للمملكة إلى المديرية العامة للضرائب حتى بدأت تظهر بوادر الارتباك والفشل لتتحول العملية التي روج لها على أنها خطوة نحو التحديث والإصلاح إلى مصدر قلق وتعطيل لمصالح المواطنين خاصة أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج الذين اختاروا الصيف الحالي لإتمام معاملاتهم العقارية.
ففي الثاني عشر من يونيو الماضي دخل القانون المتعلق بنقل تدبير ضرائب السكن والخدمات الجماعية إلى المديرية العامة للضرائب حيز التنفيذ دون مرسوم تطبيقي واضح أو فترة انتقالية معقولة وهو ما دفع كثيرين لوصف هذا التحول بالقفزة في المجهول ومنذ ذلك التاريخ توقفت فعليا عملية استخلاص هذه الضرائب وتوقفت معها مصالح آلاف المواطنين بسبب عجز الإدارة الجديدة عن ضمان استمرارية الخدمة.
الموثقون ومعهم هيئات مهنية عديدة وجدوا أنفسهم أمام واقع معقد بعدما أصبح من شبه المستحيل الحصول على شهادة الإبراء الضريبي الضرورية لإتمام عمليات البيع أو الشراء أو الهبة حيث كشف مهنيون أن المادة 139 من المدونة العامة للضرائب المصحوبة بالقانون الجديد تسببت في أكبر خلل في المعاملات العقارية خلال السنوات الأخيرة في ظل غياب خارطة طريق واضحة وافتقار الأنظمة للجاهزية وغياب التكوين الكافي للموظفين وعدم إخبار المواطنين بالمستجدات.
شهر يوليوز الذي كان تقليديا موسما لعودة الجالية المغربية من أجل الاستثمار وإتمام المعاملات العقارية تحول هذا العام إلى موسم للطوابير الطويلة وشهادات الإبراء غير المتوفرة ووعود البيع العالقة في متاهات المنصات الرقمية غير المفعلة.
وأمام هذه الوضعية لم يجد المهنيون بدا من طرق باب الخزينة العامة للمملكة التي كانت تدبر هذا المجال قبل صدور القانون الجديد حيث طالبوا بضرورة العودة مؤقتا إلى النظام القديم لضمان الحد الأدنى من استمرارية الخدمات خاصة في هذه الفترة الحساسة التي تشهد ذروة توافد المغاربة المقيمين بالخارج.
وكشفت معطيات رسمية أن المديرية العامة للضرائب اضطرت في الثالث والعشرين من يونيو الماضي إلى مراسلة الخزينة العامة للمملكة ملتمسة منها الاستمرار مؤقتا في إصدار شهادات الإبراء الضريبي للمواطنين وهو الطلب الذي استجابت له الخزينة العامة مؤكدة استعدادها لدعم الهيئة الوطنية للموثقين ومرافقتها في تجاوز هذا الوضع الاستثنائي. مصادر مهنية أوضحت أن جزءا كبيرا من الأزمة يعود إلى غياب التنسيق بين مختلف الإدارات المعنية وعدم توفير المعطيات الضريبية الضرورية للمديرية العامة للضرائب في الوقت المناسب ما جعلها غير قادرة على تسيير الملفات بالشكل المطلوب. هذا الوضع أفرز مشهدا إداريا مرتبكا حيث لا يعرف المواطنون من هي الجهة المخولة لتحصيل الضرائب ولا حتى ما إذا كانوا معنيين بأداء ضرائب السنوات الماضية في ظل غياب إشعارات ضريبية واضحة ما خلق نوعا من الفوضى القانونية التي تهدد بثني المغاربة خاصة الجالية عن الاستثمار داخل البلاد.
ورغم أن التوجه الرسمي يشدد على ضرورة إصلاح النظام الضريبي المحلي بهدف تعزيز الثقة والشفافية وتحسين مناخ الاستثمار إلا أن غياب التدرج والتخطيط إلى جانب ضعف التواصل مع المواطنين والمهنيين حول هذا الإصلاح إلى عبء حقيقي بل وإلى ما وصفه بعض المتابعين بالقنبلة الإدارية التي انفجرت في وجه الجميع مع بداية يوليوز الجاري. ووسط هذا الارتباك ارتفعت الأصوات المطالبة بضرورة التدخل العاجل لإعادة الأمور إلى نصابها سواء عبر تأجيل تنفيذ القانون إلى حين استكمال جاهزية المنصات الرقمية أو عبر اعتماد مرحلة انتقالية واضحة المعالم تجنب المواطنين والمستثمرين مزيدا من الانتظار والخسائر.
مرة أخرى يظهر الواقع أن الإصلاحات مهما كانت أهدافها نبيلة قد تتحول إلى أزمات حقيقية إذا لم ترافقها رؤية واضحة وتخطيط محكم وتواصل فعال مع المعنيين والمحصلة اليوم أن آلاف المغاربة المقيمين بالخارج ومعهم الموثقون والمهنيون وجدوا أنفسهم عالقين بين إدارتين تتقاذفان المسؤولية في حين تعطل مصالح المواطنين وتتآكل الثقة في المرفق العمومي في ظرفية وطنية أحوج ما تكون إلى تعزيز الاستقرار الإداري وتحفيز الاستثمار.