باكستان المكسب الاستراتيجي للأمة

في 1947 أعلن استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني، وبالتزامن أعلن أيضا استقلال أو انفصال باكستان عن بريطانيا والهند، وبالتالي ثم إنشاء دولتين في شبه القارة الهندية، دولة علمانية في الهند في 1950، تسكنها أغلبية هندوسية 80%، ودولة جديدة تجمع المسلمين في غرب وشرق الهند التاريخية، أعلنت أن دينها الإسلام ويشكل المسلمون 97% من سكانها، ومساحتها 943 ألف كلم مربع تقلصت إلى 802 ألف كلم مربع وسكانها حاليا 230 مليون نسمة بعد انفصال بنغلاديش أو باكستان الشرقية في 1971. وتحرك فور الإعلان عن ذلك في ليلة 15/8/1948 ملايين النازحين من عقائد مختلفة. فانتقلت الملايين من الهند إلى الدولة الجديدة خاصة في الغرب – باكستان- و انطلقت الملايين في الاتجاه المعاكس نحو الدولة التاريخية. قامت مذابح وحروب مسلحة بين الجانبين راح ضحيتها مئات الآلاف، وقد يتجاوز الرقم الثلاثة ملايين و إن كان الرقم الحقيقي غير دقيق، فالآلاف لم يتعرف عليهم وعلى جنسيتهم ودفنوا أو أحرقوا جماعات.
كانت أغلب مناطق الهند من البنغال حتى البنجاب في مساحة تتجاوز الأربعة ملايين كلم مربع، تعيش نفس الصراعات رغم التدخلات من قادة الجانبين خاصة غاندي، الذي راح ضحية هذه التدخلات. استمرت المذابح عامين والهجرة المضادة أيضا، إلا أن عائلة مسلمة صغيرة في مدينة بهوبال في وسط الهند، لم تهاجر إلا بعد مرور خمس سنوات من الاستقلال، و بعد ترسيم حدود الدولة الجديدة و إعلان علمانية الهند و دستورها في 1950. هذه العائلة التي سيكون لأحد أبنائها شأن كبير، إنها عائلة عبد القادر خان التي لم تهاجر إلى الدولة الجديدة و بالضبط إلى مدينة كراتشي معقل السند إلا في 1952، وكان الشاب عبد القادر أو عبد القدير كما يكتب بالأردو في سن 21 سنة، و كان ينتظره مستقبل لامع في الهندسة المعدنية التي تخصص فيها، و في أواخر الستينات ومطلع السبعينات كان أحد ألمع العلماء في المعهد الفيزيائي في أمستردام بهولندا، وكان كل شيء مهيأ له لإقامة مريحة في هولندا.
هاجر العالم الشاب من الهند مع عائلته التي كان عميدها الوالد ذا خلفية ثقافية إسلامية عميقة، والذي تردد كثيرا قبل أن يتخذ قرار الهجرة نحو الدولة الإسلامية الجديدة. فقد عاش المسلمون في الهند في إطار نزاعين فكريين قاد أحدهما، سياسيا أبو الأعلى المودودي -توفي عام 1979- زعيم ومنشئ الجماعة الإسلامية، وهو أيضا من جنوب الهند و قاد الآخر الأستاذ أحمد أبو الكلام وزير التعليم الهندي، وهو أحد فقهاء الهند الكبار – توفي عام 1958- و كان يكافح لإنشاء دولة واحدة هي الهند، و قد دعم هذا الرأي علماء كبار على رأسهم تلاميذ مدرسة السردار خان. إلا أن جناح الانفصال هو الذي انتصر، و ذلك ما يفسر أن عائلة أبي القنبلة النووية الإسلامية لم تهاجر إلا بعد خمس سنوات وفي ظروف هادئة. كانت عائلة عبد القادر خان عائلة متوسطة وفرت للابن ذي الخلفية العلمية جوا علميا وبعثته إلى الخارج، حيث أتم تعليمه وصار باحثا لامعا في هولندا، وحتى أواخر الستينات و بداية الأزمة البنغالية، كانت باكستان تتشكل من جزأين منفصلين بينهما 1500 كلم هي أراضي الهند. نظرا لأنها تألفت على أساس تجميع المسلمين في أماكن أغلبيتهم في الهند في 1947، وقد شكلوا أغلبية في الغرب باكستان حاليا وفي البنغال شرق الهند. وعندما قسمت البنغال وهي ولاية صغيرة في الهند كثيفة السكان إلى درجة رهيبة، فإن باكستان الشرقية كما سمي الجزء الشرقي من البنغال ناءت بسكانها في مساحة صغيرة ضيقة جدا لا موطئ فيها لقدم، ومع مآسي الفيضانات والمجاعات والنعرة القومية التي قادها مجيب الرحمان، زعيم حزب الشعب البنغالي والقيـادة السيئـة للحكام العسـكريـين في باكستان الغربية، فقد اندلعت حرب أهلية تدخلت فيها الهند لصالح البنغاليين، وأعلنت دولة بنغلاديش الشعبية. وبالتالي صار الرقم 3 دول في شبه القارة الهندية في عام 1971، بعد أن كان قبل 1947 دولة واحدة وبعدها دولتين. كانت هزيمة وطنية لباكستان ولم تمر إلا سنوات 3، حتى جربت الهند قنبلتها الذرية في منطقة بوكرام الصحراوية في 1974، واهتز الوجدان الباكستاني بعنف ورغم أن أنديرا غاندي -اغتيلت في 1984- أعلنت أن القنبلة الدرية الهندية ليست ضد باكستان، وهي تقصد أنها ضد الصين التي حاربت الهند في 1958/1962، واستولت على 35 ألف ميل من الأراضي الهندية، وحاليا تطالب الصين بولاية هندية كاملة هي أرونال براديش بدعوى كون الهند البريطانية استولت عليها في العهد الاستعماري. إلا أن علي ذو الفقار بوتو -أعدم في 1979- قائد باكستان أعلن قولته الشهيرة باكستان ستأكل الأعشاب لامتلاك القنبلة، وكان الأمر كذلك.
كـل عــشـــر ســـنـــوات
بدأ البرنامج النووي بتجميع العلماء الباكستانيين في مختلف أنحاء العالم و تحميسهم وطنيا، مع العلم أن القدرات الفيزيائية للباكستانيين معروفة – مثل الهنود- إذ أن احدهم فاز بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 1979 هو العالم عبد السلام، وقامت باكستان بإنشاء أكثر من سبعين شركة في مختلف أنحاء العالم، كان دورها جلب المواد الخام و الأجهزة، و كان لا بد لحياة عبد القادر خان أن تتغير، فسرعان ما غادر في سرية تامة أمستردام و لم يعرف أنه في باكستان إلا بعد سنوات طويلة. ورغم أن هولندا وبتحريض أجنبي حاولت استصدار قرار قضائي بإدانة خان باعتباره سرق أسرار وطنية، وقضت المحكمة الابتدائية بسجن خان أربع سنوات، إلا أن هذا الحكم سيلغى فيما بعد استئنافيا، بعد أن أثار أزمة دبلوماسية عنيفة بين باكستان وهولندا، لأنه كان حكما سياسيا ليس إلا. وفي ماي 1998 قامت الهند بتجربتين نوويتين جديدتين، بعد ذلك ورغم الضغوط الهائلة قامت باكستان بإجراء خمس تجارب نووية، وفيما بعد صرح عبد القادر خان أن باكستان كانت تملك القدرة على القيام بالتجربة منذ 1984ـ أي بعد عشر سنوات من تجربة الهند الأولى في 1974-، والتي جاءت بدورها بعد عشر سنوات من تجربة التفجير النووي الصيني في 1964. وكانت الفرصة سانحة لباكستان لإعلان نفسها دولة نووية، وهو القرار السياسي الذي اتخذه نواز الشريف رئيس الوزراء الباكستاني، الذي سيغادر السلطة بعد عام فقط بانقلاب قاده برويز مشرف.
تـــوازن الـــرعــــب
إن من أهم المكتسبات الوطنية للحفاظ على الاستقلال الاقتصادي و الاجتماعي في عالمنا اكتساب القوة المسلحة، وهو أمر فهمه الغرب جيدا، لا على أساس الحرص على الاستقلال بل استغلال و احتلال البلدان الأخرى. لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في صناعة الجيل الثاني من القنابل النووية خلال عام 2003، كما أن الرئيس الفرنسي أكد أن القوة النووية الفرنسية يجب أن تتقوى للدفاع عن استقلال وقوة البلاد، إلا أن الغرب بكامله يرفض امتلاك المسلمين هذه القوة نهائيا، رغم أن امتلاك الكيان الصهيوني للقوة النووية يحظى بعطف الغرب وبمساعدته الكاملة. بل إن التعاون بين الكيان الصهيوني ونظام الأبارتايد السابق في جنوب إفريقيا، والتجربة النووية التي أجراها الكيان الصهيوني في جنوب إفريقيا في مطلع الثمانينات، هي التي أدت بالغرب إلى التعجيل بتدمير نظام الأبارتايد وفك البرنامج النووي الجنوب إفريقي، مخافة السقوط في يد حكومة وطنية للأغلبية الإفريقية. فقد تم تأسيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأسندت رئاستها إلى أعداء أو عملاء، وقد وضعت برنامجا قاسيا ضد جميع دول العالم باستثناء الغرب والكيان الصهيوني، لمنع امتلاك الدول العربية والإسلامية للسلاح النووي. وهكذا تم إلزام مصر بتفكيك برنامجها النووي وتحويل علمائها إلى الشارع، رغم التهديد المستقبلي لها من طرف الكيان الصهيوني والغرب، ومخاطر جريان النيل شريان الحياة لمصر والسودان، كما أعلنت ليبيا رغم بساطة البرنامج ما لديها وانتهى النظام الليبي بالسحل كما انتهى النظام العراقي بالقتل، ويجري تهديد إيران، ومغازلة كوريا الشمالية وإغراؤها بالملايير، ومن المضحك أيضا أنه يجري إقناع بعض الدول العربية بالمشاركة في تمويل وتحويل البرنامج النووي الكوري الشمالي، إلى برنامج سلمي و ذلك بأداء ملايير الدولارات.
….. إن امتلاك الصاروخ و القنبلة النووية في عالمنا المعاصر هو امتلاك شروط الحياة و البقاء في ظل متغيرات دولية قاسية، لا تعير للاتفاقات الدولية أو الأخلاق الإنسانية أي اعتبار، و لا تفهم إلا لغة السلاح و القوة، و إن ما جرى للقرارات الدولية ضد الكيان الصهيوني، و عددها 500 قرار دولي لم ينفذ منها و لا واحد، أكبر دليل على ذلك بعكس العراق الذي دمر بدون قرار دولي و كذا أفغانستان.
و الدول العربية التي وقعت على معاهدة عدم انتشار السلاح النووي دون أن تربط ذلك بإزالته من العالم ككل، كما دعا جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق، بل وحتى دون ربطه بالسلاح النووي الصهيوني، تكون قد ارتكبت خطأ تاريخيا في حق الأمة و شعوبها، ذلك أن الأمر لا يتعلق بالمحافظة على النظام الحاكم، أو جعل الابن رئيسا بل الأمر يتعلق بمستقبل الشعوب و خطورة بقائها رهن الأعداء التاريخيين و الصليبيين للأمة، و قد رأينا في كل مراحل التاريخ أن الاتفاقات الدولية لا قيمة لها ، بل إن المنظمات الدولية تصبح مجرد مبصمة على قرارات الأقوى. وما قامت به الأمم المتحدة ضد أفغانستان والعراق من مشاركة في العدوان لا زال شاهدا، وإن أي اتفاق دولي ما لم يعزز بالقوة المسلحة وبتوازن الرعب لا قيمة له، وإلا فما السبب الذي يجعل الغرب يحتفظ و يحرص على تطوير أسلحته المرعبة بينما يرغم باقي الشعوب على عدم امتلاك أسباب البقاء؟
إن السلاح النووي قد لا يستعمل لكنه ضروري حتى لا يستعمله الآخر ضدك، بل حتى لا يستعمل أي سلاح ضدك أو يحتل وطنك، والأمة العربية و الإسلامية تواجه أعداء في كل مكان أعداء محتلين، و أعداء العقيدة، و أعداء المياه، وأعداء البترول، وامتلاك شروط الحياة و البقاء والنماء يرتبط بالتقدم الاقتصادي و الاجتماعي أيضا و بالتوازن، والتوازن لا يكون بإعطاء كل شيء مقابل لا شيء، فالحرص على بقاء الأنظمة لا يعادل أبدا الحرص على حياة الشعوب و أمنها المستقبلي.
مـــلاحــــظــات:
1. بالإضافة إلى الصراع حول كشمير يعتقد الباكستانيون ان هدف الهند و معها واشنطن القضاء النهائي على باكستان و دمجها في الهند مرة أخرى وفور تصفية النظام الإيراني ستتحول الأنظار إلى باكستان.
2. الاتفاقات العسكرية بين الهند و الكيان الصهيوني في ظل حكومة حزب الشعب الهندوسي تتناسل و تهم برامج الصواريخ و التعاون العسكري ، خاصة لمواجهة باكستان و الدول العربية واحتلال الخليج.
3. أعلن أمير قطر السابق في أحد تصريحاته الغاضبة القليلة أن واشنطن طلبت من دول الخليج تمويل كوريا الشمالية فيما يتعلق بتحويل برنامجها النووي إلى برنامج سلمي وتقوم قطر بدورين دور مساند لواشنطن في احتلال العراق وضرب إيران وإذاعة شبه فلسطينية.
4. قاد البرنامج النووي و الصاروخي للهند، رئيس جمهورية الهند السابق أبو الكلام ، والذي قام بزيارتين إلى الكيان الصهيوني أثناء رئاسته للبرنامج النووي الهندي. وهو ينتمي إلى الطائفة الإسلامية التي يبلغ عددها حوالي 250 مليون نسمة من مليار نسمة هم مواطنو الهند، كما قام عدو المسلمين الأهم في العالم ناريندار مودي زعيم حزب جاناتا بزيارة الكيان وإبرام معاهدات ضد إيران وباكستان.
5. الأردو«=الثكنة» هي لغة باكستان الوطنية ولغة المسلمين بالهند وتكتب بالأبجدية العربية.
*باحث