
يثير مضمون بلاغ الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، الصادر عقب المجلس الوزاري الأخير، ردود فعل قوية في الأوساط الحقوقية والمجتمعية، خاصة بعد التوجيهات الصريحة للملك محمد السادس بضرورة إعادة تكوين القطيع الوطني بشكل مهني ووفق معايير موضوعية، مع إسناد تدبير الدعم للسلطات المحلية. وقد وصف الحقوقي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، هذا البلاغ بـ”صك اتهام” واضح يفضح اختلالات كبرى في منظومة الدعم العمومي الموجه للماشية.

في تدوينة نارية على صفحته الرسمية بـ”فيسبوك”، اعتبر الغلوسي أن ما ورد في بلاغ القصر لا يجب أن يمر دون محاسبة جدية، مشددًا على أن الأزمة لم تكن نتيجة ظرف طارئ، بل نتاج مباشر لفساد مستشري طال الدعم العمومي، سواء الموجه للإستيراد أو لمربي القطيع محليًا، وهو ما بات يعرف بين المغاربة بـ”فراقشية الداخل والخارج”.
وأكد الغلوسي أن أموالًا عمومية ضخمة قُدّرت بـ113 مليار سنتيم خُصصت للاستيراد، إضافة إلى مبالغ كبيرة صرفت لدعم مربي القطيع، لم تترجم إلى نتائج ملموسة، مما أسفر عن “عيد أضحى جاف بلا طقوس ولا أفراح”، في سابقة مؤلمة للمغاربة. وأضاف أن اعتماد معايير مهنية وموضوعية، كما شدد على ذلك البلاغ الملكي، يعني ضمنيًا أن المراحل السابقة افتقدت لهذه الشروط، ما يفتح الباب أمام شبهات الانحراف وسوء التدبير.
وتوقف الغلوسي عند حجم الدعم المغري الذي جرى تخصيصه: 850 درهمًا عن كل رأس ذكر من الأغنام و750 درهمًا عن كل رأس أنثى، مشيرًا إلى أن هذا الدعم “سال له لعاب الكثيرين”، وتحول إلى مجال خصب للاغتناء غير المشروع، في ظل ضعف الرقابة وغموض المعايير.
وأشار أيضًا إلى الإعفاء المفاجئ لوزير الفلاحة السابق، الذي ظل يطمئن المغاربة حول وفرة القطيع، ليتضح لاحقًا، بعد مجيء الوزير الجديد، أن القطيع انخفض بنسبة 38%. ورغم فداحة الأرقام، لم تواكب عملية الإعفاء محاسبة حقيقية للوزير أو الأطراف التي أشرفت على عمليات الدعم، الترقيم، التلقيح والانتقاء.
الغموض الذي يلفّ مصير التحقيقات وغياب المحاسبة حتى الآن، دفع الغلوسي إلى التساؤل بمرارة: “هل ستتم مساءلة المتورطين المفترضين في تبديد المال العام؟ أم أن المحاسبة ستظل حكرًا على الصغار دون أن تطال الحيتان الكبرى؟”.
وفي ظل تصاعد الدعوات لربط المسؤولية بالمحاسبة، يرى مراقبون أن اللحظة الراهنة تفرض فتح تحقيق مستعجل وشامل حول كل الجوانب المرتبطة بدعم القطيع، بما في ذلك البعد المالي والإداري والتقني، مع إخضاع كل المتدخلين للمساءلة، من أجل استعادة ثقة المواطنين وإنهاء زمن الإفلات من العقاب.
![]()






