
يقودنا الرأي إلى إبداء ما رأيناه اليوم تعدى ما يتوجب دستوريا من توقير واحترام لشخص رئيس الدولة، في صفحات ضوئية طالعتنا عبر صحف إلكترونية وعلى جدران مواقع التواصل الاجتماعي برسائل موجهة لجلالة الملك من أشخاص لا صفات لديهم تؤهلهم للحديث في ما لا شأن لهم به ولو على سبيل الالتماس والاستعطاف.

وافتقدت هذه الرسائل لأسلوب اللياقة في مخاطبة “سيدنا” باستعمال المرسِل ضمير المتكلم الفرد كأنما المقام كالمقام وحاشا وكلا جعل الأقدام من رفعة الهوام، وبتوقيع الرسالة بالاسم الحافي في صلافة غير مسبوقة لوجه صلد بلا حياء يستحق الصفع.
ففي رسالة لشخص يمثل موقعا إلكترونيا بجهة مراكش آسفي ، محشوا بصوره الدعائية لنفسه في مواقع الأنشطة الرسمية بحضور سامي الشخصيات، توجه هذا الشخص برسالته مباشرة إلى عاهل البلاد تجاسر فيها برجاء جلالته أن “يشمل بعطفه المولوي الكريم السيد الوالي الدكتور فريد شوراق، الذي -يقول- لمسنا فيه من الإخلاص والنزاهة والتفاني في خدمة الصالح العام، ما يجعل منه نموذجاً في العمل الإداري الميداني المستحضر لتوجيهاتكم السامية وخدمة المواطنين”.
فأية صلافة بلا سند هاته التي توجه رسالة من نكرة إلى قمة هرم السلطة في البلاد، فيما الأرفع قدرا والأسمى شأنا من أعيان البلد إذ يلتمسون عطف الملك يوجّهون الاستعطاف بالالتماس إلى الديوان الملكي مرفوعا إلى جلالة الملك، وما تجرأ أحد على فعل ذلك بلا سلم إداري ومن غير العبور من “المشور”.
ويصف هذا الشخص الذي يلهث على الريع ويتمسح بأقدام المسؤولين يقتات من فتات الموائد ويضحي في أعياد المؤمنين من أكباش السلطة، أنه “خديم الأعتاب الشريفة” ولا ظهير للتعيين بين يديه ولا قسم حلف به في حضرة السلطان، ولا من خزائن للأرض ائتمن عليها حتى يكون له ما يدعيه.
فيا حسرة! على ما آلت إليه التربية في ما جنت به حقوق الإنسان على السوط والكرباج وكثيرا من اللكم والرفس والضرب بالنعال على الوجه وصفع القفا والشحط على الإست حتى يصوغ الظهر للبطن لينا، مما لم يعد للبوليس والأمن سلوكا دأبا وتصرفا ديدنا.
إنني لا أدعو لعهد جديد من سنوات الجمر والرصاص، لكني أنا الجيل المحظوظ الذي ولدت مع تولي الملك الراحل الحسن الثاني حكم أسلافه وتربيت تحت حكمه على الالتزام في أخلاق رفيعة وسلوك قويم يحترم الكبار اياً ما يكونون من كبر السن أو رفعة المقام، وكنت إلى اليوم داعيا لتقبيل اليد لا في خنوع أو إذلال وإنما في توقير واحترام حد التقديس للباب العالي بكل الرمزيات الدينية والأخلاقية والتاريخية والسياسية والاجتماعية التربويّة التي يكتنزها المخزن، ويمثلها أمير المؤمنين عاهل البلاد جلالة الملك الذي حمله علينا قلبه الكبير وأدبه الجم وأخلاقه الرفيعة وإنسانيته الشفافة فلا أحد مغربي حر منا يقبل هذه الجسارة التي تخاطب بها فئة من المجتمع إسم جلالته.
والآن وفقط الآن فهمت معنى مناداة الشعب المغربي قاطبة بأنشودة “مليكنا واحد، محمد السادس” وذلك في ظل هذا القبح المتفشي باستيحاء حياة الأكابر وانتحال شخصياتهم.
فعسى تقوم السلطة بواجبها كاملا للقطيعة مع ظواهر زاحفة لجيل ممسوخ من الدهماء يشيع قلة الأدب والاحترام في المجتمع المغربي الذي من دون المجتمعات يتفاخر برمزيات ملكيته وبالروابط التي تربط الشعب المغربي بملوكه مسنودة بالرابطة الشرعية للبيعة وأواصرها أخلاق الدين الإسلامي في كل ما شرعه من طاعة لولي الأمر في المحزن والمنشط.
![]()






