استمرار الجدل بين الجمعيات الحقوقية ووزارة العدل بشأن قانون المسطرة الجنائية

استمرار الجدل بين الجمعيات الحقوقية ووزارة العدل بشأن قانون المسطرة الجنائية

لا يزال مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية يثير جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والقانونية، وسط شدّ وجذب بين وزارة العدل وعدد من الجمعيات الحقوقية، التي اعتبرت أن بعض مضامين المشروع تُنذر بتراجع خطير عن المكتسبات الدستورية والمؤسساتية، خصوصاً ما يتعلق بمحاربة الفساد والجرائم المالية.

 

وفي هذا السياق، عبّر الحقوقي محمد الغلوسي، في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فايسبوك، عن قلقه العميق إزاء ما اعتبره محاولة « للالتفاف على الإصلاحات الحقوقية » التي راكمها المغرب خلال العقود الأخيرة، مذكراً بسياق تأسيس محكمة العدل الخاصة سنة 1965، والتي أنشئت للنظر في قضايا تبديد واختلاس المال العام والرشوة والغدر واستغلال النفوذ، حيث كانت تُحرك المتابعة بناءً على إذن من وزير العدل، ما جعلها تُصنف من طرف الحقوقيين ضمن المحاكم الاستثنائية التابعة للسلطة التنفيذية.

 

وأشار الغلوسي إلى أن هذه المحكمة حُذفت سنة 2004، بعد صدور القانون 03-79، وتمت إحالة القضايا المتبقية على محاكم الاستئناف العادية، في خطوة اعتُبرت وقتها انتصاراً لفكرة القضاء المستقل والنزيه، ومقدمة لمأسسة آليات مكافحة الفساد في إطار القانون.

 

كما استحضر الغلوسي السياق السياسي والاجتماعي لسنة 2011، والذي تميّز بحراك 20 فبراير، حيث رفع المحتجون شعارات تطالب بإسقاط الفساد والاستبداد، واسترجاع الأموال المنهوبة، وهو ما دفع الدولة إلى تعديل الدستور وإنشاء أقسام خاصة بجرائم المال العام في محاكم الاستئناف بكل من الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش، إلى جانب اعتماد قانون لحماية الشهود والمبلغين والخبراء في قضايا الفساد.

 

غير أن الغلوسي يرى أن المادتين 3 و7 من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية تمثلان عودة مقلقة إلى منطق التحكم السياسي في تحريك المتابعات، حيث تُناط مهمة إحالة تقارير الفساد المالي إلى النيابة العامة بكل من المفتشيتين العامتين للمالية والداخلية، وهما جهازان إداريان تابعان للسلطة التنفيذية. واعتبر أن هذا الإجراء يشكل تراجعاً عن مبدأ فصل السلط، ومساً باستقلالية النيابة العامة، بل وخطوة تعيد إنتاج نفس النموذج الذي كان معمولاً به خلال عهد محكمة العدل الخاصة.

 

هذا الطرح، الذي تتبناه العديد من الجمعيات الحقوقية، قوبل بصمت من طرف وزارة العدل، التي لم تصدر إلى حدود الساعة توضيحاً رسمياً بخصوص الملاحظات المثارة، في وقت تتصاعد فيه المطالب بإعادة النظر في مضامين المشروع وتوسيعه للنقاش العمومي.

 

ويُطرح السؤال بقوة اليوم حول مستقبل الإصلاحات القضائية في المغرب، ومدى استعداد المؤسسات للتفاعل الجدي مع الأصوات الحقوقية المطالبة بضمان استقلالية القضاء وتعزيز آليات محاربة الفساد.

Laisser un commentaire

اخر الأخبار :