تعميم » خبر » إعفائه عبر الصحافة قبل مراسلته…أكبر اختلال إداري وتدبيري ارتكب في حق الجامعة المغربية

في زمن عزّت فيه الكلمة الصادقة، وأصبح المبدأ يُقايَض بالمصلحة، نكتب اليوم شهادة لله، لا نرجو منها جزاءً ولا شكورًا، إلا أن نبرئ ذممنا أمام خالقٍ مطّلعٍ على السرائر، وندفع الظلم عمن لا ظهر له في معادلات السياسة وتقلباتها.
إن ما نسب من أسباب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أدت إلى إعفاء عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، يسائل الجامعة المغربية بشكل عام، وكل مكونات جامعة عبد المالك السعدي على وجه التحديد.
لقد اختصرت بعض وسائل الإعلام السبب في إصدار قرار الإعفاء، الذي لا يعرف له الوجهة التي قصدها، إلى ما وصفته ب « اختلالات تدبيرية وإدارية ». وفي حال صح هذا السبب، فإن ذلك ما يعني إعفاء أكثر من 80 بالمائة من مسؤولي مختلف المرافق الإدارية التي تشكل العمود الفقري للدولة. وهنا نتساءل: كيف يمكن قراءة الحكم القضائي الذي صدر لفائدة طالب متضرر من خطأ تضمنته شهادة الدكتوراه، صدر عن إحدى المؤسسات الجامعية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي؟ ألا يمكن اعتبار ذلك خطأ إداريا وتدبيريا واضحا وضوح الشمس في » نهار جميل » مثلما ردد بالخياط عبد الهادي في أغنيته الشهيرة؟ كيف تفسر المصالح الوزارية ومعها مصالح رئاسة الجامعة الخطأ، الذي كاد يعصف بالتماسك الوطني والمتمثل في اعتبار اللغة الأمازيغية لغة أجنبية، وهذا باعتراف الوزير المكلف بالقطاع نفسه، حينها، تحت قبة البرلمان؟ ألا توجد أخطاء إدارية وتدبيرية في كل الجامعات المغربية، وفي كل جامعات العالم؟ إذا كان الوازع في إعفاء عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية هو هذا الجانب فكل مسؤولي جامعة عبد المالك السعدي يجب أن تشملهم قرارات الإعفاء.. وإليكم بعضا من هذه الأخطاء الإدارية والتدبيرية:
– هناك مقاولات اتجهت إلى القضاء لأنها لم تتوصل بمستحقاتها، منذ سنوات، عن مختلف الخدمات التي قدمتها للجامعة بموجب قانوني. بل، إن منها من كسب مؤسسة جامعية تابعة لجامعة عبد المالك السعدي، بموجب حكم قضائي: ألا يمكن اعتبار ذلك خطأ تدبيريا وإداريا؟
– هناك ظروف اشتغال مزرية يعمل تحت ظلها أساتذة بعض المؤسسات الجامعية، ومن ضمنها وفي مقدمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وأصول الدين، والمؤسسات التي ينظر إليها على أنها لا تنتج الكوادر القادرة على ولوج سوق الشغل.
– هناك أساتذة لم يتقاضوا تعويضاتهم منذ سنين، بعلم من الوزارة ورئاسة الجامعة. كيف، وما السبب اللهم أعلم. أليس هذا خطأ إداري وتدبيري؟
– ألا يمكن اعتبار أن بنايات كلية الآداب والعلوم الإنسانية التي تعود للعصور الحجرية، خطأ إداريا وتدبيريا بامتياز؟ كيف يمكن تفسير انعدام وسائل العمل اللوجيستيكية بهذه المؤسسة وغيرها؟، أليس ذلك خطأ إداريا وتدبيريا ينم عن مؤامرة حيكت منذ حوالي سنة ضد هذه المؤسسة الجامعية، والآن والآن فقط بدأت تسطع في الأفق تداعياتها؟؟
– ألا يمكن اعتبار تعيين أسماء متخصصة في مجال علمي لا علاقة له بتخصص المؤسسة الجامعية التي عينوا بها. مثال: عميد بالنيابة على رأس كلية العلوم تخصصه الدراسات الإنجليزية.. في حين التعديلات الجديدة التي اتفق عليها الجميع، وحظيت باتفاق مختلف هياكل الجامعة، هو احترام التخصصات، لا سيما في مجال البحث العلمي. إذا كان الأمر غير كذلك، فلنا أن نقبل بتعيين متخصص في العلوم القانونية عميدا لكلية الطب والصيدلة. هذه الملاحظة تؤكد: أن الجامعة تحلل في سياق ما تحرمه في سياق آخر.
ذات مرة خاطب العقيد القذافي رؤساء الدول العربية قائلا: أتقبلون بأن يعدم رئيس عربي صبيحة يوم عيد الأضحى؟؟ إذا قبلتم بذلك فكونوا على يقين أن لا أحد منكم سيفلت من الأمر نفسه؟
إذا قبل رؤساء المؤسسات الجامعية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بالطريقة التي أعفي بها زميلهم، في حال صدق الخبر، فليدركوا جيدا أن الأمر نفسه سيلحق بهم. لا بل إن رؤساء المؤسسات الجامعية بالمغرب مدعوون إلى التعبير عن غضبهم، وأن يقدموا استقالاتهم اتباعا حتى لا يتعرضوا لما تعرض له شخص من أطيب خلق الله تواضعا وخلقا وعلما.. يحاسب، ربما والله اعلم، كما بات يردد البعض على « أشياء ذات علاقة بطبيعة خلقه ».
ربما تعتريه نواقص عدة كما بقية البشر، وبعض هذه النواقص باتت معروفة لدى الخاص والعام، لكنه بالتأكيد غير فاسد، وغير مرتشي، وغير منافق، ووطني محب لبلده. إن نشر » خبر » إعفاء هذا الرجل قبل ان يصله كتاب رسمي في الأمر، هو أكبر اختلال تدبيري وإداري. وإذا كنا فعلا في دولة الحق والقانون، على السيد الوزير أن يفتح تحقيقا في الموضوع. هل من الطبيعي أن يصل « قرار » إعفاء مسؤول عن طريق الصحافة قبل أن يصل المعني كتاب رسمي في ذلك؟
إن ما تعرّض له عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، من اتهامات تتعلق بخروقات إدارية وتدبيرية »، لا يعدو أن يكون محاولة مكشوفة للتخلص من رجل لم يتورط في الولاءات الضيقة، ولم يسعَ يومًا لاحتماءٍ بحزبٍ أو جماعة، بل جعل من ضميره وإيمانه وإخلاصه للوطن غطاءه الوحيد. وانطلاقا من نظرية عمر القائلة: أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، أمكن القول: لقد عرفه القريب والبعيد رجلًا يجتهد في أداء واجبه، وفق قدراته وإمكانياته التي فضل الله فيها بعضنا عن بعض. فلم يكن ممن يُراكم الامتيازات، ولا ممن يوزّع المصالح على المقربين، بل كان كثير التشاور. ربما لم يكن في بعض الحالات يحسن اختيار من يتشاور معهم. ربما، وهذا وارد جدا.
واليوم، وقد وجد نفسه أمام عاصفة من الادعاءات، والأفلام الخيالية والدرامية التي تستهدف شخصه، بمكر وخبث، يتم تداولها في حقه، للأسف بسبب عمومية الادعاءات التي سربت للصحافة، كتبريرات استند عليها قرار الوزارة، مما يعكس قصورا واضحا في التواصل الإداري والمؤسساتي مع المحيط، ويعطي الشرعية لفرضية المؤامرة، من جهة، ومن جهة ثانية دخول بعض التنظيمات الحزبية على خط أدلجة أنشطة وتحركات الرجل، والحال أنه في هذه اللحظة بالذات الكل يطرق باب تقديم الولاءات لهذا الحزب أو ذاك.. والتوقعات تقول: إذا استمر الأمر على هذا الحال، فسوف تتعرض الجامعة المغربية « للحريك » الحزبي، وسيأتي يوم تعرض فيه الدولة كل الإغراءات على من يتحمل المسؤولية فلن تجد.
إن الحقيقة التي لا يريد البعض قولها هي أن غياب « الغطاء الحزبي »، وكذا صوفيته، جعلتاه هدفًا سهلاً للتضحية، وكأن ذلك أمر مرفوض في عرف وقانون وعادات وتقاليد الدولة المغربية. وهل يُعقل أن يُحاسب رجل ويُدان فقط لأنه لم يدخل لعبة الاصطفافات الحزبية؟ بدليل، أن هناك مسؤولون آخرون اقترفوا المصائب العظمى لم يستطع أحد لمسهم فقط لارتدائهم العباءة الحزبية التي، في السياق الوطني الحاضر، مقاطعة من نسبة عالية جدا من مكونات الشعب المغربي. مع العلم، مسؤولية الاختلال الإداري والتدبيري في حال وجدا، تقيم درجة ضررهما، المادي والمعنوي، فإن كان للأمر علاقة مباشرة بالمجالات السيادية، إذاك يمكن القبول بالوضع كما حدث مع واليي فاس ومراكش، إثر صدور بلاغ الإعفاء الذي لم يكن عاما، بل كانت الأسباب التي أوردها واضحة ومباشرة جعلت الرأي العام يعتقد بشرعيته ومصداقيته، ويعيد الحنين إلى مرحلة كان فيها رؤساء الجامعات والمؤسسات الجامعية يعينون بطريقة سيادية.
نحن هنا لا نُدافع عن شخص لاعتبارات شخصية، بل نقول كلمة حق نبتغي بها وجه الله، ونصرة لمظلوم في وقت كثر فيه الصامتون والمتشفيون. فليعلم من بيده القرار أن التاريخ لا ينسى، والناس لا تُخدع طويلًا، وأن أعظم ما يُفتقد في الإدارة اليوم هو النُّبل والأخلاق… وهما ما اجتمعا في هذا الرجل.
نسأل الله أن يُظهر الحق، وينصر المظلوم، ويجعل هذه الكلمة سببًا في رفع الظلم عنه، وردّ اعتباره، وتثبيت الذين لا يُبدّلون.
متابعة