
في ظل ما تعيشه جماعة تمصلوحت من ركود سياسي وتنموي، يبرز سؤال جوهري يتجاوز ظاهر الإسفلت إلى عمق المفهوم: هل تبليط الأزقة هو التنمية؟
هذا السؤال لا يروم التشكيك في أهمية التهيئة المجالية أو رفض تحسين البنية التحتية، بل يسعى إلى إعادة ترتيب سلم الأولويات وربط التنمية بمعناها الأوسع، كما حدده الفكر السياسي الحديث وكما أكده جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطبه، التي جعلت من الإنسان محور السياسات العمومية وغايتها.
فالتنمية ليست رقعة إسمنتية تفرش لإخفاء هشاشة التدبير، ولا واجهة تُستعمل لتزيين التقارير، بل هي رؤية استراتيجية تنسج خيوطها بين المجال والإنسان، بين العدالة المجالية والكرامة الاجتماعية. التنمية الحقيقية هي تلك التي تترجم إلى تحسين ملموس في جودة العيش، وإلى خلق فرص شغل، وإلى بعث روح جديدة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي المحلي.
غير أن ما نلاحظه اليوم في جماعة تمصلوحت هو انحراف في الفهم وتبسيط في الممارسة؛ إذ تختزل التنمية في “تبليط بعض بعض الأزقة” و”تزيين بعض بعض الواجهات”، في غياب رؤية مندمجة ومقاربة شمولية. بل الأخطر من ذلك أن العديد من هذه الأشغال تتم بطريقة عشوائية وغير منسقة، دون ربطها بشبكات الصرف الصحي أو بتصور حضري متكامل، مما يجعلها مشاريع قصيرة الأمد، سرعان ما تتحول إلى عبء إضافي بدل أن تكون رافعة لتحسين المجال.
إننا نحتاج إلى الانتقال من التبليط إلى التأهيل الحضاري، من الإسمنت إلى الرؤية، ومن ردود الفعل إلى التخطيط المندمج الذي يضع البنية التحتية ضمن مشروع شمولي يربط بين العمران، والبيئة، والاقتصاد المحلي، والعدالة المجالية.
إن تمصلوحت، بما تتوفر عليه من مؤهلات بشرية وثقافية وجغرافية، مؤهلة لتكون نموذجا في التنمية القروية المندمجة، لو أُحسن توظيف مواردها وربطها برؤية مستقبلية تتقاطع فيها الهوية المحلية مع الدينامية الاقتصادية. فبدل التركيز على الإسمنت السريع الذوبان، يمكن الاستثمار في تنمية الحرف التقليدية، والسياحة البيئية، وتثمين الموروث الثقافي ، واستقطاب الشباب نحو مشاريع مدرة للدخل تعيد الثقة في الفعل الجماعي (الحي الغير الصناعي !!! ).
التنمية، إذن، ليست فعلا تقنيا فحسب، بل اختيار سياسي وفلسفي قبل كل شيء. هي طريقة في التفكير، تقاس بمدى إشراك المواطن في القرار، وبقدرة المؤسسات على ترجمة حاجاته اليومية إلى مشاريع واقعية ومستدامة.
وحين تتحول الجماعة الترابية إلى فضاء مغلق، وتدار بمنطق تدبيري ضيق، تفقد التنمية معناها وتتحول إلى عملية تزيينية عابرة تستهلك الموارد دون أن تترك أثرا.
ختاما، على جماعة تمصلوحت أن تعيد قراءة واقعها التنموي في ضوء النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك، وأن تنخرط في رؤية تقوم على التأهيل الحضاري لا الترميم المؤقت، فالتنمية ليست ما يرى في الإسفلت، بل ما يحس في الكرامة، وما يثمر في العدالة، وما يبقى في وجدان المواطن حين يشعر أن الجماعة تخدمه لا تتجمل أمامه.
يتبع…







