همسات تائه في روما : عمــــــــــــر و أليــــــــــشي

1778 مشاهدة

همسات تائه في روما :  عمــــــــــــر و أليــــــــــشي

          واهم من يدعي أن الأطفال الصغار لا يفقهون في الحب شيئا. أيقنت ذلك جليا حين قدمت حفيدة مالك البيت الذي اكتري، و التي لم تتخط بعد ربيعها الثالث. شقراء يكاد الضوء يسطع من وجنتيها البلوريتين، عينان زرقاوين كسماء روما الساحرة. وجه ملائكي يحثك على استراق النظر إليه. لازلت أذكر حينما التقت بصغيري عمر المشاكس، الذي كان بنفس عمرها، وبملامح شبه غربية. فطفقا يلعبان و يرتعان بحديقة البيت  دونما مقدمات.
في الصباح، و كان يوم أحد، سمعت طرقات خافتة على الباب ظننتها في البدء قطة جارنا، أو كلبا يعبث بالزخارف الخشبية المنقوشة على الباب. لكن الطرقات مالبثت تتواصل. حملت جسمي المتثاقل الذي كان يمني النفس بنومة هنيئة تمتد لغاية الضحى. أدرت مزلاج الباب، فإذا بالشقراء تصعد الدرج وهي تهمس في استحياء : « أومر » . لم أتبين قصدها. لكنها واصلت ترديد  » أومر… أومر » حينها أدركت مرادها فأخبرتها بأن عمر لازال يغط في سبات عميق. و من شبه المستحيل أن يستيقظ  في مثل هذه  الساعة. لم تعر كلامي اهتماما، وظلت تتمايل على عتبة الباب و هي تداعب ضفيرتها الذهبية الناعمة. و حين

أيقنت أنها لن تغادر حتى تنال مرادها، أومأت  لها  بالدخول. ولجت غرفة  النوم. و بمجرد  أن هتفت في أذنه، قوس الماكر إحدى عينيه، وأغلق الأخرى، ثم رسم ابتسامة بريئة على خديه، وهو ينط من سريره كأرنب مذعور. التقطته العجمية من  معصمه، ثم  سحبته  خارجا تحت ذهول أمه التي ظلت صامتة،  باسمة من أثر المشهد.
كانا يقضيان سواد يومهما معا، تارة في بيت جدها، وتارة أخرى بالحديقة. يتهامسان، يتخاصمان، ثم سرعان ما  يتآلفان. كنت أقف مذهولا وأنا أرمق ضحكاتهما، قفشاتهما. و أسأل زوجتي عن لغة التواصل بينهما رغم أن صغيري لم يتجاوز شهره الأول بالديار الإيطالية. فكانت ترد بأنه يحدثها بالعربية التي لم تكن حائلا بينهما.وما زاد من دهشتي أنها صارت هي الأخرى تتحدث إليه بكلمات عربية، وحين ينفر منها أو يغضب، تجدها  ساعية خلفه لتطيب خاطره، وهي تدعوه بلكنة مراكشية نغمية :  » أجي  » فكنت ساعتها أنفجر ضحكا، و أرفع القبعة عاليا لصغيري الذي استطاع أن ينطق رومية بلغته و هو في عقر وطنها…..
بعد أيام من رحيلي عن منزل جدها، سألت جاري السابق عن أحوال مالك البيت و أسرته. فأخبرني بأن ما يحز في نفسه هو منظر الشقراء الصغيرة وهي تجلس بباب البيت الذي كنا نقيم به،و هي تسأل عن  « أومر » أين رحل؟؟؟

اخر الأخبار :