من يغتني من بنية الأسعار في بلادنا.. السماسرة والريع ؟

1704 مشاهدة

من يغتني من بنية الأسعار في بلادنا.. السماسرة والريع ؟

بقلم : إدريس الاندلسي

 

سؤال الأسعار المتعلقة بالمواد الطاقية ومواد أساسية أخرى يزيد اشتعالا منذ مدة طويلة. حكومة سابقة حررت سوق المحروقات وأخرى تجرأت على القوة الشرائية للأسرة والمواطن وثالثة وقعت في حرج لأن رئيسها يملك أكبر شركة توزيع للمحروقات ومشتقاتها وحتى للأكسجين وأشياء أخرى. لا زلنا نتذكر تلك المعلومة التي وفرتها إحدى الشركات الأجنبية التي توزع المواد البترولية بأسواقنا والتي أكدت أهمية هوامش الربحية التي حققتها بالمغرب. ولن ننسى كيف تم توديع رئيس مجلس المنافسة السابق من منصبه بعد أن قرر المجلس أو لم يقرره في شأن توقيع غرامات كبرى على شركات لم تحترم قانون المنافسة. وكان وقع كلمة التقنوقراط أقوى من القرار السياسي والنقابي. وأجبرت المالية العمومية على مضاعفة مجهودها لضخ الملايير في صندوق المقاصة.

وبالطبع ستظل الشفافية هي المطلب لمعرفة من المستفيد الأكبر من المال العام. أهو الفلاح والعامل ورب الأسرة الفقيرة والمتوسطة أم أصحاب الاستهلاكيات الكبرى والمشاريع العقارية الكبرى ومؤسسات التعليم الخاص الكبرى والمشاريع الصناعية ” الكبرى”.

كل ما هو إستراتيجي في بلادنا هو من فعل المال العام. ولحسن الحظ أن مشاريع البنية التحتية الكبرى تم إنجازها بإشراف ملكي على مدى عقدين.

هل كل ما جاء على لسان خبراء ونقابيين عاشوا تجربة سوء تدبير لاسمير خطأ وضعفا في قراءة آليات سوق الطاقة. هذه السوق خطيرة وما حصل لمن حمل مشروع لاسمير الإيطالي ماطيي يحمل على الاعتقاد أن سوق الطاقة فيه ما فيه من العدوانية التي فجرت طائرة ماطيي. وفيه ما فيه من المؤامرات التي صاحبت حرب اكتوبر 1973 .

توقفت بعض شركات التوزيع بأوروبا ولم تتوقف شركات الإنتاج بشمال هذه القارة لكي تضاعف ارباحها وتزداد الحملة العدائية على الدول العربية التي ناصرت القضية الفلسطينية. وكان لخصوصيتنا المغربية أن سهر أحد الوزراء التقنوقراط الراحلين على الخوصصة ومباشرة تحول إلى مدير عام للراحلة لاسامير. واليوم نقف على حقيقية من انتفع من تحرير الأسعار وتوقيف التكرير والمحافظة على نسب الضرائب المرتبطة بالمحروقات. المستفيدون هم من يستفيدون من كل ” الكرم المرتبط بالمال العام ” ببلادنا. هؤلاء تتزايد ثرواتهم كل ساعة ولا فعل لهم في سوق الشغل ولا في زيادة الثروة الوطنية.

وأظن أن التقنوقراط، وأغلبهم لا يطيقون قواعد الديمقراطية الحقة والبعيدة عن الممارسات السياساوية، سيستمرون في دفع التوازنات الإجتماعية إلى منطقة عدم التوازن. صحيح أن هناك مشروع ملكي إستراتيجي في مجال التغطية الإجتماعية لكن هناك قوى تهدف إلى إفراغه من روحه الثورية. وهذه القوى تسيطر على أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية والخريطة الصحية وحتى على سلوك بعض الأطباء الذين يهربون خلسة إلى المصحات الخاصة. ويبقى المواطن المريض ضحية المواعيد التي تتعدى العام لإجراء عملية أو الخضوع لفحص بالأشعة وغيرها من الخدمات الصحية في القطاع العام.

أعداء الإصلاح الإجتماعي يضرون بالتوازنات المالية للمؤسسات المسؤولة عن التأمين الإجباري عن المرض وتدفعها للإفلاس. الأرقام صادمة والعجز التقني يتضخم واستخدام الاحتياطيات يسرع الوصول إلى مرحلة الخطر.

هذا مجرد مدخل إلى سوق المواد الطاقية وغيرها في بلادنا وكل الأسواق ذات الارتباطات بمصالح كبرى لقيادات اقتصادية وذات امتدادات سياسية تحاول تركيع المطالبات الإجتماعية بالشفافية. غدا وليس الغد ببعيد ستصبح الأحزاب الوطنية الكبرى في يد من يقررون في ثمن السكر والدقيق والعدس والطماطم. وقد تتحول المجالس الترابية إلى بورصات لتحديد الأسعار.

قبل أيام صدرت أحكام في قضية ما يسمى “بالاتجار غير القانوني” بتذاكر كان من المفروض أن يستفيد منها مغاربة سافروا ليلا وعادوا لوطنهم ليلا وتم حرمانهم من دخول الملعب لتشجيع منتخبهم الكبير والباهر والذي حظي باستقبال جماهيري وملكي تاريخي بكل المقاييس.

ما جرى بخصوص تذاكر المونديال هو ما جرى ولا زال يجري في مجال المحروقات والعقار والنقل والتعليم الخصوصي والمستشفيات الخصوصية. هل أصبح هذا البلد الأمين مستهدفا من طرف أبناءه أصحاب الملايير.

الحكومة تكون دائما وابدا على أتم الاستعداد للرد على كل انتقاد لسياساتها التعليمية والصحية والفلاحية ولكنها لا تعترف بصعوبة الولوج إلى العلاج ولم يسبق لها أن اقرت بضعف تنزيل سياسة قطاعية فعالة للحد من الهدر المدرسي ولا للحد من مظاهر التسول والعنف الأسري والرشوة وهيمنة الريع وتزايد حجم القطاع غير المهيكل.

هل يمكن لمؤسسة المنافسة ولوزارة الطاقة ولكل المجالس الدستورية وللإدارة العامة للجمارك وللإدارة العامة للضرائب أن يضعوا أمام المواطنين والبرلمان معطيات حقيقية حول سعر المواد الطاقية عند الاستيراد وسعر بيعها في السوق الوطنية. والأمر يتعلق كذلك بسعر الأدوية التي يفوق مستوى سعرها في الصيدليات سعرها في أوروبا.

سمعنا وزيرا سابقا في التجارة يهدد تركيا بمراجعة اتفاق التبادل الحر ولكننا لم نسمع شيئا عن أسعار الطاقة والأدوية. كثير من الكذب يحيط بصناعة الأدوية بالمغرب. ولكن الصناعة لا يمكن أن تتلخص في التعليب والاستفادة غير المشروعة من الحيلة المحاسباتية التي تسمح بتسهيل التهرب الضريبي. ناقشت متخصصين وأكدوا لي أن الكثير من الشركات تشغل مغاربة لوضع أدوية في علب كتبت عليها نصائح بالعربية حول طريقة إستخدامها. ولكن هذه الشركات الأجنبية تهدد دائما بنية غير سليمة لوقف نشاطها التجاري الذي يفوق في ربحيته ربح الشركة الأم. وللأسف تجد هذه الشركات دعما وحماية وكثيرا من أدوات تهديد البنية الصحية ببلادنا وحتى الأصوات التي تحمل رسالة حول ضرورة تخفيض مستوى الأسعار لكي يصبح، على الأقل في مستوى أسعار الدول الأوروبية.

الأسعار وتركيباتها مجال لا يحتمل المزيد من غياب الحكامة. قيل للمغاربة سنة 2008 أن القطاع الفلاحي سيحول المغرب إلى قوة تحقق الاكتفاء الذاتي وتعزز الميزان التجاري وتحول القطاع إلى مساهم في بنية الناتج الداخلي الخام. قيلت الكثير من الوعود وأستمر القطاع الفلاحي الفقير على ما هو عليه من الهشاشة. وقيل سنة 2008 أن هذا القطاع سيتحول إلى عصرنة عبر سياسة تضامنية تربط الاستهلاكيات بالفلاح الصغير.

والنتيجة استمرار هشاشة القطاع وغياب أي تقييم للآثار الاقتصادية والاجتماعية والمالية لمشروع أخضر تحول إلى جيل أخضر. الأسعار التهبت والفلاح الصغير لا زال يعيش الهشاشة والفرشة المائية تم انهاكها. وقيل لهم من طرف ممتهني السياسة البسيطة الفهم والتأطير الهش وذو المردود المالي أن الأسعار ستتراجع.

سألت أحد كبار مهنيي الصيد الساحلي عن ارتفاع الأسماك فاقسم أن السعر الذي يدفعه المواطن لا يصل إلا ثلثه أو أقل إلى حسابه.

ونفس الأمر ينطبق على الفلاح المنتج الذي لا علاقة لدخله بسعر منتوجه الذي يدفعه المستهلك. والأمر كذلك موجود في مجال العقار. السماسرة في كل حي وقطاع وسوق ومنتوج حاضرون. يغتنون ولا يدفعون ضرائب ولا واجبات حماية اجتماعية للعاملين لديهم. السمسرة أصبحت أهم من الإنتاج ومن التصنيع ومن الابتكار. بهذه البنية سنظل بعيدين عن أهداف النموذج التنموي الجديد. لم أستعمل الأرقام المتاحة في الحسابات الخصوصية للخزينة ولا تلك توجد في النفقات الجبائية ولا تفاصيل الميزان التجاري، لأن هذه الأرقام يمكن الاطلاع عليها بسهولة. ولكن الأهم هو الدفاع عن الشفافية الديمقراطية بدل وضع القرار بين يدي تقنوقراط لا تتم محاسبتهم. وإن سألتهم عن الفشل، أخرجوا جواز سفر أجنبي وغادروا البلاد. ولك ألله يا وطني.

اخر الأخبار :