من منصة البوديوم إلى سيارة الإعتقال .
1804 مشاهدة
أثارانتباهي ليلة الأحد الماضي بالصدفة على قناة قلما أشاهدها شريط وثائقي معروف يعتمد أساسا على تلفزة الواقع تحت عنوان (نبض الأبطال ) ضمن شبكة برامجها (H&H) (حكايةورجال ).يحكي لمدة تفوق 54 دقيقة عن رياضة المعاق وكيف يستطيع بإمكاناته الذاتية المتواضعة أن يحقق المعجزات في ظل واقع لايرحم. حكاية رحلة عجيبة ومشوقة من مدينة أسفي بالمغرب إلى ريودي جانيرو بالبرازيل في إطار الألعاب الباراأولمبية( paralympiques ).
يوسف وعزالدين شابان أصدقاء الطفولة أصابتهما الإعاقة الجسديةولم تحد من طموحهماورغبتهما في التألق .التصوير تم بحرفية عالية ركز فيها المخرج بالخصوص على كيفية قضاء البطلين يومهمابين التداريب والأنشطة اليومية مع ملاحظة مهمة أن كل الظروف الشاقة والصعبة لم تحد من طموحهما .الملعب الذي يحتضن التمارين اليومية متواضع بل جنباته توحي باهمال كبير وواضح .الأعشاب الطفيلية منتشرة بكثرة غطت كل ممرات حلبات السباق والمدرجات لم تعد ألوانها براقة كما كانت في السابق فقدت جل ملامحها كالمعتادالسياج متهالك عبثت به برودة الطقس وشغب الأطفال فاختل هيكله ولم يعد يرسم ملامح الملعب وهندسته.الغبار يعلو في كل مكان والآلات الرياضية المتوفرة على قلتها بسيطة للغاية لكنها استطاعت أن تدفع البطلين معا إلى مضاعفةالجهود .مهما بلغت مشقة الأنشطة ومحاولات يوسف بالخصوص كلما سلطت الكاميرا الضوء على محياه وتفاعله مع حركة رمي الكرة الحديدية إلا و تستطيع أن تقرأ في عينيه وأنت تشاهده تلك الرغبة الأكيدة لتحقيق هدف آمن به بإصرار الأبطال.رحلة ممتعة وشيقة في نفس الآن تشد المشاهد لتتبع هذا المسارالطويل .
لا أدري صراحة كيف استطاعت حكاية يوسف وعزالدين أن تأسرني لهذه الدرجة من التشويق وأنت تتابع حوار عزالدين مع يوسف حيث يزاوج فيه بين الإحترام المتبادل والتحفيز المتواصل الذي شكل أرضية صلبة لهذا المشروع.طموح التأهل للألعاب الباراأولمبية ريوديجانيرو 2016 .تحقق المراد ووصلا بمعية المنتخب الوطني إلى برازيل . ينتقل بنا مخرج الحلقة إلى شاطئ (كوبا كابانا) الشهير حيث عزالدين ويوسف يأخذان لهما صورا للذكرى ثم يتمددان على رماله الذهبية . يتدخل عزالدين بعفويته المعهودة لتكسير تلك الأجواء التي تتملك الزائر لأول مرة لمكان كان حلما فأصبح حقيقة موجها كلامه ليوسف :
شاطئ جميل لكن لافرق بينه وبين شاطئ آسفي سوى جودة الرمال. ونظافة المرافق .يتبادلان ابتسامة انتصار ثم يعقب يوسف : (مايمكنش نفوت الفرصة .خصني نضرب شي عومة واعرة هنا.) يتجه نحو البحر وعزالدين يتعقبه بالصوت والصورة من خلال هاتف متواضع كما يبدو.
بعد رحلة استجمام قصيرة .تبدأ المنافسة . الملعب مشحون بالهتافات والتشجيعات من كل حدب وصوب .يدخل عزالدين على كرسيه المتحرك ويوسف يدفعه اتجاه مضمار المنافسة. يرفعان يديهما تحية للجمهور .ينفذ بطلنا محاولاته الثلاث بكل شجاعة وبطولة.المشجعون المغاربة يرفعون راية المغرب فرحين بهذا البطل الواعد لقد استطاع أن يحطم الرقم القياسي ويحتل المرتبة الأولى ويعتلي بكل فخر واعتزاز منصة التتويج . لحظة فرح عارمة لاحدود لها حين وضعت الميدالية الذهبيةحول عنقه .ركزت كاميرا الحدث على محياه والراية المغربية تصعد بمفردها متبوعة برايتين لبلدين آخرين والنشيد الوطني يهز كيان عزالدين وعيناه تبادلان كل هذا المشهدالمؤثر بدموع الفرح والوفاء .
عند الوصول للمغرب كانت الإحتفالية غاية في الروعة بين الجهاز الرسمي وابناء الحي الذين أصروا على حشد كل أنواع الموسيقى والأهازيج الشعبية رغم تواضعها كانت في مستوى اللحظة.صور وعناق وتبادل التهاني .تصريحات هنا وتعليق هناك.استقبال عائلي وحفاوته بددت كل التعب .لم تمض سوى أيام معدودات حتى اختفت كل الوعود وتوارت كل المجاملات وبدأ يتسلل الملل لبطلنا الموعود .
أمام إدارة عمومية حيث يوجد المعتصم يطالب فيه عزالدين مع بقية رفاقه بالإدماج في سلك الوظيفة العمومية نظير هذا التتويج وهذا الإنجاز المتميز .فلم يجدوا إلا الآذان الصماء . آلمني نهاية هذا المسار .عزالدين يحمل مع المجموعة من المحتجين أواني منزلية يستعملونها في الاعتصام كما يوظفونها في المأكل وهم يقرعون بها تلك الأبواب الموصدة مرددين شعارات ومطالبين بالإنصاف. يتدخل الأمن محاولا ثني المعتصمين عن البقاء والتصوير أيضا.فتنتشلهم أيدي وسواعد قوية لم ترحم لا إعاقتهم ولا إنجازاتهم وتركض بهم أرجل مسرعة نحو الدورية لأنها لاتتقن سوى هذا الفعل . غابت كل كلمات الترحيب والاعتزاز بالوطن . ماشدني في الشريط كذلك الوصف الجميل المقتضب الذي يغني عن الباقي حيث يصف عزالدين التتويج وعزف النشيد الوطني وراية المغرب بلحظة لايضاهيها موقف وصورة لن يحسها إلا من عاشها حقيقة . هكذا رددها بحسرة كبيرة تشبه لحد بعيد « الشمتة » أو كابوس عاشه الإثنان والأمثلة كثيرة من هذه المشاهد لاحصر لها .هكذا ردد في آخر حواره في نهاية الشريط .
علت الوجوه صدمة الجفاء وخيبة أمل . وأجهضت أحلام بطل كان يمني النفس بعيشة كريمة واستقرار أسري .
تحقق طموح بوديوم ريوديجانيرو 2016 .وتم الإعتقال بالرباط مع تأجيل ماتبقى من الأحلام المجهضة .
لك الله ياوطني …!