من سرق أحلام كاسطور….؟

2679 مشاهدة

من سرق أحلام كاسطور….؟

لا يتعلق الأمر في هذه المكاشفة برجل من أمثال كاسترو ،أو باستور أو كانط ولا كافكا ، هو ليس بالثوري و لا بالروائي أو بالشاعر أو الفيلسوف ، ولا بالمغني المشهور أو الممثل المرموق ،هو ليس من هذه الطينة أو تلك …فالرجل بكل بساطة قيل عنه حسب الروايات الشفهية أنه مهندس من المعمّرين الفرنسيين أُسندت له مهمة وضع التصميم المعماري لحي سكاني بمراكش نشأ على أطراف المدينة في الناحية الغربية إبّان حكومة عبد الله إبراهيم مابين 1958 و 1960 .
فالرجل لم تكن له أحلاما أكثر من الصفقة التي ظفر بها لبناء الحي ، أو الامتياز الذي حظي به كمهندس سطع نجمه دون سواه من باقي المعمّرين الذين استقروا أو على الأقل طال به الأمد خلال فترة الاستقلال والتي واكبته نهضة شاملة كان من بينها بروز العديد من الأحياء الجديدة على امتداد التراب المغربي الحديث العهد بالاستقلال .
من الواضح أن هذه المسحة لا تخصُّ رجل بعينه ،وإنما هي مقاربة تاريخية لمسار حي بأكمله سينبثق من ركام الاستعمار في عهد جديد حمل اسم مهندسه « كاسطور » فكان تكتلا سكانيا جمع العديد من الأطياف من مختلف القرى والمدن المجاورة القريبة وبعض المعمرين أيضا في تجانس وتناغم وتآلف بين مختلف سكانه  رجالا و نساء شيوخا وشباب…..
هذا التكتل السكاني المتناغم داخل الحي نمت فيه وتوطدت ارتباطات أسرية متينة وعلاقات اجتماعية وصداقات حميمة بشكل جد متماسك على أرضية خصبة من حسن الجوار والتضامن والتآلف أعطاها مصداقية خاصة تجلت في مختلف أنشطتهم العملية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الرياضية .
وكان من الطبيعي أن تكون لأصحاب هذه الأنشطة من سكان ذات الحي من مختلف الأعمار  طموحات وأحلام يتطلعون إليها ويتمنون تحقيقها ، ولعل أهم تلك الأنشطة التي استأثرت بالفئة النشطة داخل الحي هي الرياضة والثقافة بمفهومها العام ،ولو أن المجال الأول حضي بالإهتمام والشعبية أكثر من المجال الأول للتفاوت البنيوي بين المجالين على اعتبار أن الرياضة وخصوصا كرة القدم لعبة شعبية لا تتطلب ما يتطلبه المجال الثقافي من دور للثقافة ومكتبات وقاعات للعروض الفنية التي كانت منعدمة أساسا في الحي . مجالات كان الشباب بعزيمتهم وإصرارهم هم روادها وأبطالها منذ انبثاق أولى الوحدات السكنية بالحي ، وحتى لا نتيه في دوامة الأيام ونضيع في متاهة الزمان ، سنقف عند أهم المحطات التي انقطع فيها التيار على أبطالها في لحظات تاريخية أشرقت أحلامهم وسطعت نجومهم سواء في المجال الرياضي أوالثقافي وقارعت ونافست كبار النجوم في ذات المجالين وتعدى صداها في عدة مناسبات وملتقيات المجال المحلي إلى الجهوي ثم الوطني، على امتداد ثلاث عقود متتالية من الزمان. رغم الإكراهات المادية وغياب البنيات التحتية والتوجيه والاحتضان . لكن سرعان ما كان يأفل ويغيب نجمها وتنطفئ شموعها التي كانت تهددها رياح مجهولة المصدر مُبهمة الأهداف – تدّعي لنفسها الرحمة بالأخضر واليابس – كانت تزعزع أركان هذه النجوم في أكثر من مناسبة إلى أن تركت أبطالها وروادها في عتمة لا أفق لها وتعتيم لا مصداقية له ، وأخص بالذكر هنا كرة القدم كانت أكثر تنظيما إداريا وماديا ، وبدرجة أقل المسرح والغناء ، وبالنظر لكثرة الفرص التي أتيحت للمستديرة و كان من الممكن اغتنامها واستغلالها والاستفادة منها على نطاق واسع في مسار الممارسين وأطرهم وأنديتهم الرياضية والثقافية خصوصا على مستوى تحديث البنيات التحتية وتوسيع قاعدة الممارسين في كلا المجالين . ولعل أبرز تلك المحطات التي انقطع فيها تيار الأحلام وسرقت أسلاكه على سبيل المثال : محطات صعود الفريق الوحيد بالحي للأقسام الكبرى ، وانتدابات اللاعبين المرموقين أو الراغبين في التغيير والذين كُبّلوا بالمزايدات الضيقة ، وقطع الطريق على فكرة الإحتضان والمقر الخاص بالنادي ، وتجميد القاعات الثقافية حينا وتفويتها لمصالح أخرى حينا آخر ….ومحطات أخرى ضاعت في ظلام دامس من الغبن والخوف والنفاق و الرياء والمجاملات الرخيصة.
وكوني خضت في هذا الموضوع ، فإنما يشفع لي في ذلك سببين : أولهما أني ترعرعت بين دروبه وتلقيت أبجديات المجالين ومارستهما بين أحضانه ، وثانيهما كان خلاصة وعصارة جهد نظري منبثق من بحث لإصدارين في ذات المجالين أي الرياضي والثقافي. ليبقى السؤال الكبير والعريض هو : من سرق أحلام الكاسطوريين الذين صنعوا أمجاده خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين ؟ من قتل طموحاتهم وكسر آمالهم ؟ من كانت له المصلحة أو المستفيد من تعتر أو وقف ذاك المد الجارف من العطاء والتألق ؟
لعلها تساؤلات كثيرة حيّرت الكثير من أبناء الحي ، وظلت مُبهمة طيلة هذه العقود ، تنتظر الإجابات الصريحة والواضحة ولو أن منها ما دُفنت مع السابقون ، ومنها ما لازال سرّا مكنونا في صدور اللاحقين حتى أضحت من المحظورات في العالم الإفتراضي والواقعي توقظ مضجع أصحاب الضمائر الحيّة منهم أحينا ، وتُسعد أحينا أخرى  مُنعدميها الذين طالما أشاعوا أقوالا وأخبارا بنفسجية لم تُقنع إلا مُروّجيها ، وكانت كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحينا ، وهم الذين أيضا لازالوا ينتشون في أبراجهم العاجية غير آبهين بما فعلوا، مُتحلّقين ومُتحذلقين في منصات افتراضية حول من كان يوهمهم بالعظمة والنجومية الجوفاء دونما لومة لائم  وحجتهم في ذلك أنهم في يوم من الأيام كان فضلهم عليهم بالوفير والكثير خصوصا في المجال الرياضي (كرة القدم) لتبقى المفارقة الكبرى في ذلك : أن أصحاب الفضل هؤلاء تعرضوا للميز والحيف حتى أصبح الشرفاء منهم خارج النص على الهامش يعيشون في صمت رهيب وصادم في زمن التملق والنفاق والرياء.
و بين هؤلاء وأولئك ضاعت نجوم كثيرة رياضية وفنية، أو على الأقل أفل بريقها وانكمشت و تاهت في دوامة الأيام تكابد وتصارع تقلبات الزمان تتغنى بذاك الماضي الجميل تارة وتتأسف حسرة وندامة عليه تارة أخرى.

اخر الأخبار :