من السفه طرح الطعام إلى المزابل ورمي الغذاء في القمامة وبعض امة الاسلام جائع

1769 مشاهدة

من السفه طرح الطعام إلى المزابل ورمي الغذاء في القمامة وبعض امة الاسلام جائع

عشرة أيام لأواخر رمضان في مكة المكرمة، ألهمت الزميل عبد الواحد الطالبي لتوثيق مشاهدات عابرة في يوميات صادفته أثناء أداء مناسك العمرة هذا العام خلال الشهر الفضيل، ينقلها دون تكلف وبغير قصد من شأنه الإضرار بأي طرف أو المساس بأية مشاعر، فإنما على الله قصد السبيل في الإعراب عن خوالج الصدر من أحاسيس عب اليراع مداده من فيض غمرها فسال على صفحات تبثها مراكش 7 على حلقات

 

عند أذان مغرب كل يوم نجد في مصلياتنا ما يسد الرمق من شهي التمر والماء الزلال وتصبيرة بالجبن مع الزبادي واللبن ثم القهوة العربية، كل ذلك يوضع من بعد صلاة العصر على موائد مفروشة في مسافات على مئات الأمتار طاف بها الصائمون والمصلون، كل ينال منها ما احتاجه.

بعض الطعام تمتد إليه الأيادي تجمعه من قبل أن تلتهمه أكياس القمامة التي ما تفتأ تكشر عن أنياب الافتراس حين يستعد الإمام لإقامة الصلاة.

في المصليات رجال يتعبدون ونساء، شغلهم جمع ما يفضل من طعام على موائد الرحمان، يكدسونه في أكياس وليس من يسألهم على ما به يفعلون…فحين يفطر الصائمون يسرع هؤلاء يتسابقون على تكديس لفافات التمور وعلب الزبادي وقوارير اللبن في أجربة وأكياس تكون ما أثقلها ثم ينسحبون ولا يتركون أثرا حتى يعودون في أوقاتهم المعلومة.

في الحرم خلال شهر رمضان ينفق المسلمون بسخاء ويتفوق السعوديون في الجود، لا يعدم المعتمر طعاما لوجبة الإفطار التي تتوزع منها آلاف الحصص في الشوارع وعلى النواصي وبالمساجد وفي باحات الحرم المكي، ويتجند لهذه العملية مئات الشباب المتطوعون يتوسلون أحيانا أخذ الحصة منهم علبة أرز مع دجاج أو لحم وحبة فاكهة تفاحا أو موزا أو برتقالا ومعهم قارورة ماء وبعض تمر مغلف.

وأما في صفوف الصلاة فيفرش عمال الحرم أو عمال الفنادق والمجمعات التجارية أغطية بلاستيكية يجِدّون في تصفيفها بإتقان وتأثيتها بإشباع حتى إذا ما امتلأت وقضى منها المصلون الصائمون وطرا اجتهدوا في لململتها بلا أثر واتخذوا بها طريقا إلى المزابل.

ما أكثر ما يلقى في المزابل من طعام ما أحوج فقراء العالم إلى غذائه لسد الرمق، وما أجشع أولئك المتهافتين على موائد الرحمان يكسحون ما عليها، وليس يعلم أي مصير إليه يصير ما يكسحون.

ليالي العشر الأواخر من رمضان في مكة، ليس مثلها في أي مكان بالعالم ليال، تطيب النفوس وتندى الجباه وترق القلوب وتمد الأيادي وتبْيَضّ الوجوه… ويسارع الناس في الخيرات وإلى المغفرة، فترى الأرجاء وقد عمَّها البشر وغشي الأركان منها الرحمة وغطى الجودُ والكرم أمَّ القرى وما حولها…

السعوديون لديهم الكرم متأصل لكنهم في الشهر الفضيل ينافس فقيرهم غنيهم ببسط ما تحت يديه بأريحية الأثرة في مأكل ومشرب.

يحرص السعودي على أن يتقاسم زاده مع إخوانه مرتادي المسجد الحرام، ولا يتفرد في ذلك عن بقية المعتمرين والمصلين الذين يأتون من الظهر بما تيسر من طعام وشراب يعدونه فطورا وعشاءا كيلا يبرحوا أمكنتهم في المصليات التي ما إن تمتلئ من وقت الظهيرة لا تفرغ حتى السحر.

فما إن يسلِّم إمام الحرم من صلاة التراويح، حتى يطفق المصلون يَأْدبون أبعاضهم إلى ما تحوَّزوا طعاما او شرابا، يتذوقون من شهي الأكل باختلاف الثقافات وتباعد الجغرافيات ويرتشفون الشاي المنسم أو الأسود والقهوة المعطرة، كل واحد يدعو جار الجنب إلى ما يبسطه أمامه قَلَّ أو كثر مما تغني بركته عن كميته فلا يحتاج بعدئذ كثير من الذين يعتمرون بتكاليف الإقامة الكاملة شاملة للتغذية والمبيت، إلى الأكل في المطاعم المخصصة لهم.

عندما يفطر الصائمون ويصلون صلاة المغرب، يهرع بعض الرهط من المسجد أو المصليات الى الفنادق التي ينزلون فيها لتناول وجبة الإفطار وكذلك بعد صلاة التراويح يفعلون، وكثير منهم يغتني بما يشبعه من دعوات في المصليات لا ترد يختلف خلالها مجموعة تلو مجموعة يتنقل عبر حلقات تسودها أجواء حديث يطرق  مواضيع الدين والأخلاق والسياسة والأدب والزواج وكثيرا مما يشغل الناس في حياتهم وعليه يرفعون أكف الضراعة الى الله بالاستجابة للدعاء فيه.

وينسى في هذه الأجواء، الذين دفعوا أموالا كثيرة لإقامة فارهة بالحرم ما لأجله يدفعون، طعاما باذخا وموائد دسمة وأفرشة وتيرة، وتشدهم إلى الناس في المصلى البساطة والأريحية والاجتماع…وإذا ما نزلوا إلى المطعم عادوا لتوهم كأنهم ما طعموا سوى ما حمّلوا من أنواع الأطباق لحما ودجاجا وفاكهة وحلوى يعرضونها لأصدقاء المصلى ويتحلقون لتقاسمها كل فرد يتذوق منها نصيب.

بل إن فئة من نزلاء الفنادق تدعو بعض جيران الجنب في المصليات إلى وجبات الفطور أو العشاء أو السحور في هذه الفنادق، يولمونهم إفطارا للصائم وطمعا في الأجر.

لم يكن كل الذين يرتادون مصليات الفنادق الكبرى سواء في أبراج الصفوة أو أبراج الساعة أو دار التوحيد وغيرهن في محيط المسجد الحرام، من النزلاء ومن علية القوم الذين يستطيعون الدفع وتغنيهم أموالهم عن مشقات الاعتمار بما يتكلفه سواهم من الصلاة على النواصي وفي الطرقات ومن التسوق والطهي وإعداد الوجبات أو الازدحام على المحلات لابتياع أكل لملوحته يقدد اللسان ويجفف الريق وينشف الحلق…

إن أكثر المصلين الذين يختلفون الى مصليات هذه الفنادق ليسوا من الزبناء ولا من النزلاء، ولكنهم خبروا العمرة واكتسبوا التجربة، وتمهروا في التسلل والإفلات من عين الرقيب المنصوبة على البوابات بأفراد الحرس الخاص الذين يميزون بين الأشخاص يتفرسون في الوجوه بين المسموح لهم بالمرور دون السؤال وبين المطلوب منهم الإدلاء بالحجز وبما يفيد ان الشخص نزيل مقيم.

في مصليات الفنادق ظروف جيدة مناسبة لأداء شعائر الصلاة والقيام والتهجد والتعبد والاستفادة من دروس الوعظ والإرشاد، الازدحام فيها رحمة يبيح ما لا تبيحه غيرها من الفضاءات التي يتجمع فيها المصلون وما يكادون يفرغون من الصلاة حتى ينفضوا، وأما ههنا فيتلاقى ما يختلف لياتلف ثم تنشأ إثره صداقات وتنسج علاقات فيصدق الفقير الغني ويصحب العين الشريف المواطن البسيط …لأن المصلى معلوم للأسياد كبار القوم الذين تختلط في جمعهم أعراق ممن ليس في دمهم منهم أنساب.

وههنا صادقت من مصر ومن الجزائر ومن المغرب ومن اليمن ومن السعودية والعراق وأفريقيا السوداء… شيوخا وقضاة ونوابا عامين وقادة ونقباء وعقداء في الجيش وعلماء وأساتذة ورجال أعمال وطلبة باحثين… وكلنا أجمع على أن الإسراف في إطعام الصائم وإفطاره وإن كان من محامد الخصال مأجورة كأنها صيام الدهر فإنها بديدنها سفه وجب شرعا تأطيره درءا لمفسدة رمي الطعام الصالح إلى المزابل ومطارح النفايات وبعض أمة الإسلام جائع.

 

اخر الأخبار :