
تدعو الضرورة قبل أقل من شهر عن موعد امتحانات البكالوريا إلى إيجاد حلول مبتكرة للحد من الظواهر التي تمس بمصداقية النتائج وتخدش سمعة الشهادة التعليمية الوطنية التي تخول متابعة الدراسات الجامعية في الداخل والخارج.
تواطؤ مفضوح مع الغش
فلمواجهة الغش لم تعد أساليب الردع والزجر كافية أمام الطوفان الكاسح في استعماله بكل الوسائل المتاحة التي يتواطؤ بشأنها مسؤولون في مراكز الامتحان إما بالتساهل وإما بالتبييت سواء لمصالح شخصية وفئوية أو اجتنابا للعنف ومخافة من آثاره.
وتطور استعمال الغش مع تطور تقنيات وسائله، ولكن أيضا بدعمه والمساعدة عليه من خلال المناهج المقررة واللوائح المنظمة وبرامج التقويم وطرق التدريس وكذا بسبب المسؤولية التقصيرية للمدرسين ومسؤوليهم ومعهم المؤطرين التربويين.
فلم تعد المساءلة في التقويم لدى الإدارة التربوية تهم الكيف قدر أهمية الكم، ولا صار السؤال عن الامتياز مدعاة لمراجعة اختبار صاحبه معرفيا أو منهجيا أو مهاريا للاعتراف المدرسي بالتميز حقيقة…
فإنما المساءلة تقع حين العزة بلا مهانة يوم الامتحان، وحين يكون الحزم والصرامة في مواضعهما بشدة تخلو من القسوة عندما يخلص المدرسون لواجبهم وفي يومه ينفع الصادقين صدقهم والمجتهدين اجتهادهم والعاملين عملهم.
وأما أولئك الذين يتنافسون على الفخار بنسب نتائج يزكيها فساد ظاهر بيِّن بنقط مخدومة يتم توزيعها تحت التسول وبالترغيب حينا والترهيب أحيانا، أو تحت طائلة المساءلة البعدية من أجهزة الرقابة التربوية التي لا نأمة لها ولا تتململ من مواقعها سوى عندما تضعف النقط وتهزل النتائج وتنحدر عن الأربعين من المائة، فليسوا سوى فئة الريع التعليمي الذين بسببهم يتناسل الغش ويتكاثر.
البكالوريا والتهافت على الريع
والريع نصيب وافر في امتحانات البكالوريا يتهافت عليه في مضمار السباق على مهمات غير ذات جدوى مقابل البدل المالي تعويضا عن أتعابها، رؤساء المراكز وموظفون ومؤطرون تعتبر تلك المهمات من صميم عمل الموظف مثله في ذلك مثل الأستاذ والمدرس الذي تسند له الإدارة مهام الحراسة في الامتحان ولا يتقاضى عنها بدلا.
ومن الريع بعض ذاك الذي يتحصل لفئة الخدمات لفائدة مؤسسات التعليم الخصوصي الباحثة عن الأثرة لمترشحيها سعيا لتبديد الغربة لدى منتسبيها في فضاء المدرسة العمومية وفصولها الموحشة وكياناتها غير المألوفة لدى تلامذة تتذلل في الأقسام أمام أبصارهم القامات وتخر الهامات يتعلمون في غنج على مساحات ضوء ألوانها طيف مشهود في السقوف وعلى جدران الحيطان.
الغش ينبت نباتا حسنا
وليس من محاربة الغش الاستمرار في السماح حتى للذين لا يتوفرون على الشهادة الثانوية (الثالثة إعدادي) الترشح أحرارا وهم كثرة لاجتياز امتحان البكالوريا. وهؤلاء ليس نصب عيونهم سوى النجاح والحصول على الشهادة إن لم يكن بالغش فالبعنف أو بغيره عدا المعرفة والمحصلة…
كما ليس من محاربة الغش تنميط الاختبارات في صيغ متوارثة عبر حقب من التجارب التي كرست الإجابة في نماذج جاهزة قابلة للتناسخ والتناقل حتى في المواد العلمية والأخرى التجريبية وتستند على أسئلة مكرورة لا اجتهاد فيها لاستفزاز ذكاء المترشح وتحفيز نباهته على إبراز مهارته والتعبير عن قدراته.
ولا يقف على فظاعة القتل والسفك والسحل في حق عقول المتعلمين، غير مصححي أوراق امتحان البكالوريا الذين تقصر حرياتهم أمام جبرية عناصر الإجابة وجمود سلم التنقيط في التقدير العادل المنصف للتقييم الصحيح لكل إجابة تتجرأ برفض الوصاية والحجر على المعرفة في إطار جواب مقنع عن سؤال أو حل مناسب لمسألة أو تحليل لإشكالية أو محاولة فك لرموز أو شفرات.
وكيف لا يلقى الغش بيئة النمو المناسبة كالفطر، في لجن المراقبة الزائرة بأجهزة معطلة عنوة عن رصد وسائل الغش الإلكترونية وذات الأصل المعدنية التي تكون بحوزة المترشحين فلا يكتشفها الجهاز بيد المسؤول وهو يمررها على عينة من المترشحين!
وكيف لا يتناسل الغش ويتكاثر، وغض الطرف ديدن المسؤولين لحجب حقيقة الواقع في مراكز الامتحان التي قليلا ما تسجل حالات الغش المشهودة في محاضر رسمية بعد إذ يتم ضبطها وتوثيقها ثم التسامح بشأنها كيلا ينفضح المستور خلف الشعارات التي لا سند لها في التقارير الموضوعية الوطنية والدولية عن واقع التعليم بالمغرب الذي لا يحسن تلامذته في أرقى مراحله بالمدرسة لا القراءة ولا الكتابة ولا يتقنون الحساب.
شفقة مستحقة
وما أشفَق إلا على مصححي أوراق الامتحان في ظروف مهمتهم التي لا يشفق عليهم فيها أحد مقابل دريهمات معدودات وأحرى بهم وأجدر أن تتهيأ لهم ظروف التصحيح في صالات الفنادق المكيفة وفي القاعات الكثيرة المجهزة بالمدن والقرى بما يكفل التواصل الذي لا غبن فيه بين المصحح والمترشح عبر ورقة الامتحان.
الوزير في اختبار
وإذ تتهيأ مصالح وزارة التربية الوطنية مركزيا وجهويا ما استطاعت أطرها إليه سبيلا لضمان نجاح الاستحقاق من غير أثر سلبي يطعن في النتائج وفي مصداقية الشهادة، فإن إكراهات عديدة تواجه أقسام الامتحان في الأكاديميات الجهوية والمديريات الاقليمية، أمام قصور بنيات الاستقبال عن استيعاب الأعداد المتزايدة للمترشحين وشح الموارد اللوجيستيكية التي تضيق عليها الميزانيات المرصودة أو تبخل بها المصالح المادية والمالية إضافة إلى الضغط الواقع من لوبي التعليم الخصوصي ومن الجدولة الزمنية لأجندة الامتحانات حتى إعلان النتائج…
ويزداد الضغط في ظل الطوارئ الصحية السارية التي تفرض الالتزام بشروط الاحتراز والوقاية مع ما يتطلبه ذلك من احترام توصيات التباعد الجسدي والحذر من نقل العدوى وتفشي الوباء في الوسط المدرسي بين المترشحين والقيميين على الإجراء في مراكز الامتحان.
وإن التحدي الأكبر لهو الانخراط الجدي المسؤول بروح وطنية لربح رهان المصداقية لشواهد التعليم، والنجاح في الاختبار الأول للسيد شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية في المسؤولية المنوطة به ليس وفقط كمسؤول حكومي ولكن باعتباره رجل ثقة عاهل البلاد الحريص على جعل التعليم قاطرة التنمية التي بشر بها المشروع التنموي الجديد ضمن المحاور التي صاغها بنموسى نفسه.







