ويعد هذا الصرح الديني، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (القرن الثاني عشر الهجري الموافق للقرن الثامن عشر الميلادي)، أقدم مسجد في مدينة الصويرة.

واضطلع مكان العبادة هذا، الذي يطلق عليه الصويريون اسم مسجد سيدي محمد بن عبد الله، قبل أن يعرف بينهم باسم مسجد القصبة، وهو الحي الذي يقع فيه، بدور رئيسي داخل المجتمع، وكان أيضا فضاء لتلقين علوم تلك الحقبة.

وكان هذا المسجد يحتضن أيضا كراسي علمية استقطبت العلماء والمهتمين من كافة المشارب، على غرار مساجد القرويين بفاس وبن يوسف بمراكش، وذلك وفق ورقة تقديمية للمندوبية الإقليمية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالصويرة.

وفضلا عن ذلك، كان المسجد يضم مجلسا قضائيا تتلى خلاله الظواهر الشريفة المتعلقة بتعيين القضاة، وشكل مكانا لإلقاء محاضرات ثقافية، ولعقد مشورات سياسية واقتصادية.

ومن بين مرافق هذا الصرح كانت هناك مدرستان متجاورتان، وموجهتان لتدريس علوم تلك الحقبة. وترتبط هاتان المدرستان بالمسجد من خلال باب كبير لدخول وخروج طلبة العلم.

كما يضم المسجد مكتبة تزخر بسلسلة من الكتب والمخطوطات النفيسة جلبت من مكتبة السلطان مولاي إسماعيل بمكناس، جد السلطان سيدي محمد بن عبد الله.

وأوضح المندوب الإقليمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالصويرة، كريم بن عباد، في تصريح لقناة (إم 24) التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا المسجد المشهور على الصعيد الوطني، يتألف بالإضافة إلى المدرسة، من غرف لإيواء الطلبة، ومكتبة عملية، تعمل لحد الآن، لبيع الكتب والمطبوعات التي تصدرها الوزارة.

وأضاف بن عباد أن المسجد يحمل اسم الحي الذي يقع فيه، أي حي القصبة الذي كان يضم أيضا مباني إدارية، لافتا إلى العمارة الإسلامية النموذجية لتلك الحقبة، التي تميز هذا الصرح، على غرار مختلف المساجد والزوايا الواقعة بالمدينة العتيقة، والمصنفة كتراث من قبل الوزارة الوصية.

وأشاد بالعناية السامية التي يحيط بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، المدن العتيقة في العديد من مدن المملكة، ومن بينها مدينة الصويرة، مبرزا أن برنامج إعادة تأهيل المدينة العتيقة لمدينة الصويرة (2015-2018) والبرنامج التكميلي (2019-2023) يشملان ترميم 10 زوايا وأضرحة تقع داخل هذا النسيج العمراني، مع العلم أن الأشغال قد اكتملت في 6 مواقع، بينما نسبة تقدمها في الأربعة المتبقية تتجاوز 85 بالمئة.

من جهته، أشار حميد الفاضلي، عضو المجلس العلمي المحلي بالصويرة، في تصريح مماثل، إلى أن هذا الصرح المعروف أيضا باسم المسجد العتيق، هو أحد المعالم الرئيسية في المدينة وشاهد على ذاكرتها الغنية والمتعددة.

وقال إنه انطلاقا من هذا المسجد تم إطلاق أول أذان للصلاة، موضحا أن المساجد الأخرى في المدينة حذت حذوه، بعد ذلك، لإطلاق أذان موحد للصلاة.

وأضاف  الفاضلي أن هذا المسجد اشتهر عبر تاريخه، بخطبائه وأئمته والعلماء الذين تولوا التدريس في المدرسة المجاورة لهذا الصرح.

ويحتوي المسجد، الذي تحيط به العديد من المحلات التجارية ومباني تقدم عدة خدمات، على قاعة صلاة فسيحة تراعي المعايير المعمارية لتلك الحقبة (القرن الثاني عشر الهجري)، وأخرى مخصصة للنساء، وغرفة مخصصة للإمام، ومئذنة، ومرافق صحية للرجال والنساء.

وسيظل مسجد “القصبة”، كصرح ذي حمولة تاريخية وروحية كبيرة، إلى الأبد، أحد مصادر فخر واعتزاز ساكنة الصويرة، مدينة الألف عام، وملتقى الحضارات بامتياز وواحة القيم العالمية والتعايش بين مختلف الديانات التوحيدية.

و.م.ع