مجموعة لرصاد بين الإبداع والتهميش

4558 مشاهدة

مجموعة لرصاد بين الإبداع والتهميش

يلاحظ المتتبع للحركة الثقافية و الغنائية بمراكش أن هناك شبه غياب آو غياب تام لتّأريخ لهذه الحركة منذ بدايتها الأولى رغم ما تعج به المدينة ليس فقط من فنانين و مطربين و مجموعات غنائية ولكن أيضا لذلك الزخم الكبير و الوفير من ثراث المدينة الذي يمتد لقرون خلت و الذي يعرف تنوعا كبيرا نظرا لكثرة روافده بحكم موقع المدينة.  طابعه الأساسي التآلف و التناغم و الاجتهاد والابتكار نظرا لكثرة روافده بحكم موقع المدينة.  ومهما حاولنا الغوص والخوض في مسالة المجموعات الغنائية بمراكش فلن نف بالغرض المطلوب نظرا لقلة وفرة النصوص والمراجع المعتمد عليها في هذا المجال  و لقلة المؤرخين والموثقين لهذا النمط من التأليف و الكتابة كما يصعب تحديد الإرهاصات الأولى لهذه الحركة الفنية و المجموعات الغنائية بالمدينة الحمراء و مهما اختلفت التحديدات الزمنية لظهور هذه المجموعات الغنائية في مراكش إلا أن أغلب المتتبعين و الباحثين يكاد يجمعون على أن الانطلاقة الحقيقية بمفهومها العصري انطلقت مع بداية السبعينيات من القرن الماضي لما عرفته هذه المرحلة من تحولات عالمية بانتشار ظاهرة الهيبيزم و انتشار تيارات فكرية تساءل التباين الطبقي و أسبابه رافضة الجشع الرأسمالي الجديد ومظاهره و أخذت تناشد التغير بالأنماط الغنائية المختلفة ومنها المجموعات الغنائية التي اكتسحت كل الأنماط الأخرى باعتبار الرداء الشبابي التي كانت تلتحف به سواء على مستوى الكلمات و الألحان آو الأداء و هكذا بدأت تظهر ومضات هنا وهناك تلامس الجديد و تناشد التغير كناس الغيوان وجيل جيلالة و لمشاهب .

ظهرت بمدينة مراكش مجموعة جديدة حوالي سنة 1974 تحت اسم « العشاق » ثم غيرت اسمها إلى  » لرصاد » سنة 1980 باقتراح من عنصر لمشاهب الراحل مولاي الشريف لمراني بحسب بعض المصادر. انبثقت هذه المجموعة من حي القصبة العتيق بمراكش. المدينة التي أنجبت العديد من الفنانين الكبار في مختلف المجالات الفنية داع صيطهم في المشهد الفني الوطني و العالمي.

وسط هذا الزخم الفني الهائل من الفنانين و المجموعات الغنائية المراكشية الأخرى فقد استطاعت مجموعة  » لرصاد » أن ترصد لمسارها الفني نهجا متميزا لامس الواقع المعاش وملتمسا تغييره . صامدا ومتمردا في وجه الجشع الرأسمالي الجديد مستمدة قوتها من موطنها التي خرجت منه : الأحياء الشعبية وجماهيرها العريضة . وتخترق بذلك صفوف النخبة المثقفة حتى لامست نجوم الإشعاع والشهرة . ليس فقط  » لرصاد » تعتبر إحدى معالم مراكش الخالدة بالمستوى الغنائي الذي وصلت إليه في المشهد الفني ولكن أيضا باعتبارها مدرسة قائمة الذات على أسس فكرية ثابتة وراسخة. ما حادث أو زاغت عنها يوما رغم إغراءات التيارات الجارفة ورغم طوق الحصار الإعلامي العنيد و الإقصاء من المهرجانات الوطنية الذي عانت منه طويلا وهي بهذا الصمود سجلت نضالا اتسم بالسمو و الرقي لترقى لأعلى مراتب الإنسانية حتى تبلغ أسمى مقامات الروح و الوجدان بعيدة عن النشوز و النمطية .

 » لرصاد » كانت من أوائل المجموعات التي غنت بالعربية الفصحى و اشتغلت على عدة تيمات اجتماعية بسيطة عالجت خلالها مواضيع كثيرة و متنوعة ما بين اجتماعي و قومي و وطني و ديني و سياسي تأرجح من واقع معاش مقهور ومسلوب الحقوق إلى واقع دولي ضاعت فيه جميع الأعراف و المواثيق و غلب عليه خطاب القوي على الضعيف . وبجردنا لريبيرتوار مجموعة  » لرصاد  » الحافل بالعطاء قائما على أسس إنسانية بالدرجة الأولى يطبعها التنوع على مختلف أطياف المجتمع و مشاكله و همومه بل و البحث أيضا عن حلول لمشاكله في إطار توعوي سلس وممتع بعيد عن النمطية والتقليد و الركاكة و المماثلة  و بعيدا أيضا عن المجاملة و النفاق الفني أو القبول بمقولة  » العام زين ». كلها عوامل بقدر ما ساهمت في إشعاعها و شهرتها و استمراريتها ساهمت أيضا في تعرضها للتهميش الممنهج و الإقصاء الإعلامي القهري . إضافة للهيب القرصنة الذي انكوت به و طال أشهر أغانيها « حكمت لقدار » التي سجلت بأستوديو صوت الربيع سنة 1986 من كلمات الزجال المرموق ميلود الرميقي وتلحين وغناء المجموعة المكونة آنذاك من : حسن جاليلي – حسن زرابا – محمد الغرباوي و عبد المجيد حراب و ثمت قرصنتها سنة 1999 من طرف المغني المصري المعروف : محمد منير كما تطاولت عليها إحدى المغنيات الجزائريات و إحدى الفرق الألمانية رغم جميع الحقوق الجاري بها العمل في مجال الفن و الإبداع .

و حين كانت مجموعة  » لرصاد » بهذا النهج المتكامل المبادئ و هذه الإستمرارية فقد شكلت مدرسة خاصة بها متكاملة المواضيع الإنسانية بما يزيد على 170 أغنية موزعة على حوالي 24 البوم. مشكُّلا من أطياف و ألوان موسيقية تقودها آلة المندولين الوترية برنات دافئة وجذابة وآلات إيقاعية بسيطة شنّفت آذان عاشقيها طوال عقود خلت حاكت القضية العربية الكبرى قضية فلسطين بأغنية « انتِ لنا انتِ » و أغنية   » إفريقيا » و الأغنية الوطنية « الأرض بلادي » و الأغنية المحلية « دخلوك يا مراكش العجم » و جففت بأغانيها كذالك مستنقعات الظلم والقهر بأغاني « حكمت لقدار » و  » العاطل » و « الكادح » و  » الجبان » و »علاش الندامة » و « ركبت على البحور » و « المنادى » و » الواد الحامل » و  » كلمة الوداع » و « جابتني ليك القدار » . وأغاني زاوجت بين مسايرة أهم قضايا العصر و التوعية الاجتماعية لهذه القضايا. أغنية  » الجرثومة الخبيثة » و « الشعودة » و « المشموت » إلى موضوع الهجرة السرية و الغربة والعشق الإنساني .

هذه إذن بعض  الومضات  الفنية التي أضاءت بها مجموعة « لرصاد » مسارها الفني بشعاع من الالتزام و الإبداع و أضاءت بها قلوب المظلومين و المقهورين بشتى أنواع القهر المادي و المعنوي بنبرة و نغمة التفاؤل و الأمل في الغد المنشود في انتظار : « يوم جديد يلوح من بعيد » حسب ما جاء على لسانهم في أغنية « الظالم ».

وتبقى مجموعة  » لرصاد » العشاق المراكشية شامخة بشموخ معالم هذه المدينة التاريخية .   وراسخة في أدهان أجيال مدينة السبعة رجال برسوخ مبادئهم الإنسانية تقاوم كمثيلاتها في هذا الزمن المشحون بالأغاني التافهة وكلماتها الرديئة الساقطة و الرخيصة التي تستنزف أمولا طائلة في مهرجانات العبث والتفاهة .  ويبقى الأمل كبيرا في رد الإعتبار لهذه المجموعة من طرف الجهات المسؤولة على القطاع وكذا أطراف المجتمع المدني من داخل المدينة وخارجها .

اخر الأخبار :