قصر المؤتمرات بمراكش: ذاكرة معلمة دشنت سياحة الأعمال بالمغرب

1743 مشاهدة

قصر المؤتمرات بمراكش: ذاكرة معلمة دشنت سياحة الأعمال بالمغرب

« لم أكن أنوي تشيد قصر المؤتمرات او لنقل بأنه لم يكن من ضمن أولوياتي، فلم يكن لدي تمويل جاهز وكاف كذلك ولم يكن قد حان، لكن الأقدار تفعل ما تشاء »بهذه العبارة يتحدث المستثمر « عبد الهادي العلمي الصريفي » في كتابه الموسوم ب « قصر المتاعب » عن ذاكرة قصر المؤتمرات بمراكش الذي يعد واحد من أهم الصروح المعمارية بالمدينة الحمراء، فما هي يا ترى ظروف تشييد هذه المعلمة؟ وما أهم ما واكبها من أحداث وتحديات؟ وما هي الشخصيات التي كانت وراء إرساء لبناته؟ وما هي انعاكاساته على الصيت الاشعاعي لمدينة مراكش؟

عندما اختار الراحل الملك الحسن الثاني مراكش لتشييد قصر المؤتمرات

يشير المستثمر « عبد الهادي العلمي » صاحب مجموعة « دنيا أوطيل » في مدونته التوثيقية « قصر المتاعب » أنه لم يكن ينوي تشييد قصر المؤتمرات بمراكش وإنما جاء وليد الصدفة عندما كان يعرض أمام أنظار الملك الراحل الحسن الثاني مشاريع ذات صبغة استثمارية وسياحية كبرى، وكان قصر المؤتمرات أولى هذه المشاريع التي كان من المزمع تشييدها في بداية الأمر بمدينتي الدار البيضاء أو أكادير، وعكس انتظارات المستثمر « العلمي » اقترح الملك الراحل مدينة مراكش مقرا لهذا المشروع غير المسبوق بالمغرب، على اعتبار أن مدينة مراكش تختزن مقومات طبيعية وجمالية متفردة وواحدة من بين عواصم التراث المغربي، وهي المواصفات التي يجب أن تتوفر في المدن الحاضنة لمثل هكذا مشروع، وتزكية لهذا المشروع توصلت مجموعة « دنيا أوطيل » في إحدى أيام خريف سنة 1986 بفاكس من الديوان الملكي يؤكد أنه فور استكمال المشروع سيحتضن مؤتمرا طبيا عالميا تحت إشراف جلالته حول الخصوبة والعقم.
في تواصل لجريدة مراكش الإخبارية مع المدير الجهوي ل »مجموعة دنيا أوطيل » قال: « ..في إحدى أيام الخريف سنة 1986 تفاجأت بالسيد « العلمي » يخبرني بأنه يجب على المجموعة أن تؤسس قصرا للمؤتمرات بمدينة مراكش، وأجبته بأن خبرتي ضعيفة في هذا المجال، لكن هذا لم يثني « عبد الهادي العلمي » عن إسناد تنفيد هذا المشروع لي، وأخبرني أنه التزم بتنفيذ هذه المعلمة أمام اعلى شخصية بالهرم الاجتماعي والسياسي، وأن جلالته قد أعطى كلمته لطبيب الأميرات « جون كوهن » من أجل أن يقيم أول مؤتمر حول طب النساء بمراكش، وهو ما دفعني للسفر إلى أوربا من أجل الاستفادة من النموذج الأوربي في هذا المجال الذي كان منعدما بالمغرب، فأول تجربة لقصور المؤتمرات هي ما ستقوم به مجموعة دنيا أوطيل، وأضاف المتحدث ذاته أنه خلال هذه السفرية جمع كما هائلا من المعلومات مفادها أن قصور المؤتمرات بالعالم غالبا ما تكون نفقاتها على يد الدولة، مشيرا في السياق ذاته أن القائمين على المشروع كانوا أمام تحدي مع الزمن، ذلك أنه يجب أن يتم الانتهاء من المشروع بشكل كلي مع بداية شهر أكتوبر 1989.

قصر الأحلام المنبثق عن قصر المتاعب

طيلة 19 شهرا ظل مؤسس قصر المؤتمرات بمعية طاقمه ساهرين على أن يتم التشييد في أحسن أحواله، وأن يكون أول قصر للمؤتمرات بالمغرب بمتابة معلمة تاريخية سيظل يحكي عنه كل من وطأت قدماه أروقته، 19 شهر لم تكن بالشيء الهين خصوصا مع المراقبة المستمرة من طرف الطبيب « يوسف بوطالب » والأطر الساهرة على المؤتمر الذين كانوا شبه متأكدين من استحالة افتتاح المؤتمر في التاريخ المتفق عليه.
اختيار الأرض لم يكن سهلا على « عبد الهادي العلمي » حيث أشار إلى ذلك في متن كتابه لاسيما بمنطقة الحي الشتوي، مشيرا إلى المساعدة التي تلقاها من عامل مدينة مراكش آنذاك « بالماحي » تنفيدا للتعليمات الملكية، وقد صرح صاحب مجموعة دنيا أوطيل بأنه لم تقدم له أي امتيازات رغم أن الأرض التي أقيم عليها القصر والتي تبلغ مساحتها 5000 متر أي ما يقارب نصف الهكتار قد فوتت للمجموعة بدرهم رمزي، ذلك اعتبارا لما يكتسبه المشروع من أبعاد ودلالات رمزية ووطنية.
اليوم المنشود أكتوبر 1989
كانت لمراكش لحظة مع التاريخ ستطبع بحروف من ذهب في أكتوبر 1989..وأخيرا المعلمة استكملت مراحل تشييدها على يد المهندس المعماري « لو تكسرون » الذي استلهم بنيته المعمارية من النسيج العتيق لمدينة الدار البيضاء في الثلاثينات من القرن الماضي، وقد أثنى خبراء ومتخصصون في زيارة تفقدية للمنشأة قبل حفل الافتتاح على المشروع مشيدين باحترامه للمعايير الدولية المعمول بها لاسيما على مستوى الصوتيات والإنارة.

طرائف مصاحبة للافتتاح قصر المؤتمرات

مع العد التنازلي للإفتتاح الرسمي لقصر المؤتمرات لم تخلو هذه اللحظات الأخيرة المشوبة بالقلق والتوتر من طرائف فقد أشار « عبد الهادي العلمي » في مؤلفه « قصر المتاعب » أن قاعة الوزراء كانت مرتعا للدباب، مما اضطر الطاقم المشرف إلى شراء كل قوارير المبيدات المتواجدة بالمدينة، لتكتمل أوصاف قصر المؤتمرات باعتباره قصرا للأحلام قبل مؤتمر الخصوبة والعقم الذي تم افتتاحه على يد الوزير الأول آنذاك « عز الدين العراقي » بدل الملك الراحل الحسن الثاني.
لم تكن هذه هي الطريفة الوحيدة للقصر، فمن بين ما صرح به أحد الصحفيين الذي كان من ضمن من سهروا على تغطية هذا الحدث التاريخي مشيرا أنه تم استدعاء مقرئين لدلائل الخيرات لقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم ليلة قبل الافتتاح من طرف الطاقم الساهر على قصر المؤتمرات حيث تم نسيان أمرهم بشارع فرنسا سابقا (شارع محمد السادس حاليا) ليعود أدرجاهم إلى مقر إقامتهم بضريح سيدي بلعباس السبتي متكبدين عناء الطريق والخذلان لاسيما وأنهم مكفوفين.
استهل قصر المؤتمرات أنشطته الاشعاعية بمؤتمر الخصوبة والعقم الذي لم يكن سوى المفتاح الاستهلالي لهذه المعلمة التي أضافت بريقا إشعاعيا لمدينة مراكش، مدشنة بداية صنف جديد من السياحة الواعدة وهي السياحة التجارية أو سياحة الأعمال، فقد اشتهر القصر باستضافته لملتقيات عالمية ذات طابع تاريخي مثل توقيع اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية [GATT] في أبريل 1994، كما احتضن أشغال مؤتمر العمل الافريقي الأول، وفي السنوات الأخيرة عرفت المعلمة أشغال القمة 22 للمناخ ودورات المهرجان الدولي للفيلم والعديد من الملتقيات والتظاهرات العالمية الوزانة التي تسوق مراكش كوجهة عالمية لسياحة الأعمال.
يبدو من خلال كتاب « الصريفي » أن مجريات الأحداث ابتداء من سنة 1991 لم تكن في صالح مجموعة « دنيا أوطيل » نظرا لتراكم ديون الأبناك وكذا الحرب التي شُنت ضده بعد هذا العمل الوطني على حد تعبيره، كما أخبر المدير الجهوي ل »مجموعة دنيا أوطيل » بأن « العلمي » وجد نفسه داخل دوامة كبيرة من الاكراهات والعراقيل رغم المحاولات التي قام بها لدى العديد من الشركاء والمتدخلين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد اعترف « عبد الهادي العلمي الصريفي » نفسه أنه لم يتمكن في نهاية المطاف من إنقاذ السفينة التدبيرية للمشروع لتتجه رويدا رويدا صوب الغرق.
اليوم بعد مرور ازيد من 30 سنة على إنشاء هذا الصرح التاريخي الذي زاد من الاشعاع السياحي والاستثماري لمراكش والمغرب على حد سواء لم يعد قصر المؤتمرات تحت إدارة « مجموعة دنيا أوطيل » ليتسلم دفة القيادة مجموعة أجيال للأصول الكويتية، من المؤسف والمحزن أن هذه المنشأة التي اختار موقعها الراحل الملك الحسن الثاني أن تؤول إدارتها لمستثمرين كويتيين بدل المغرب الذي هو أحق بذلك، ليبقى السؤال معلقا: ترى ما الذي دفع المسؤولين على المستويين المحلي والمركزي إلى التخلي عن هذا المشروع النوعي؟ هل مرد ذلك إلى أخطاء تدبيرية قاتلة عجلت بسكتته القلبية على مستوى التسيير؟ أم أن هناك مبررات أخرى تجد منطقها في أن « مطرب الحي لا يطرب؟ »

قصر المؤتمرات بمراكش ضمن الأفضل افريقيا لسنة 2020

يذكر أن قصر المؤتمرات بمراكش كان قد اختير ضمن أفضل عشر مراكز للاجتماعات والمؤتمرات في افريقيا، خلال سنة 2020، حسب تصنيف نشرته مجلة “بريفلي”.

واعتبرت المجلة أن موقع قصر المؤتمرات وسط مدينة مراكش، يجعل الوصول إليه جد سهل، وهو يحظى بسمعة عالية على المستوى العالمي من خلال خدماته الراقية والتظاهرات البارزة التي احتضنها على مر السنوات الأخيرة، إضافة لكونه يضم مرافق متنوعة من مساحة للمعارض والقاعات وغرف الاجتماعات وفضاءات الحفلات.

وقد حل قصر المؤتمرات بمراكش في المركز الرابع من هذا التصنيف، خلف كل من مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات والمعارض في مصر و مركز كيب تاون الدولي للمؤتمرات ومركز ديربان الدولي للمؤتمرات في جنوب افريقيا، على التوالي.

وضمت قائمة العشرة الأوائل، أيضا، مركز أفريكا هول بأديس أبابا في اثيوبيا، مركز كينياتا الدولي للمؤتمرات في العاصمة الكينية نايروبي، مركز مؤتمرات كيغالي في رواندا، مركز ساندتون للمؤتمرات في جنوب افريقيا، مركز فندق أكرا ماريوت في غانا، ومركز كراون بلازا في كينيا.

اخر الأخبار :