في الذكرى ال20 لتفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك، الحلقة2: من مجاط إلى ألمانيا 

1066 مشاهدة

في الذكرى ال20 لتفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك، الحلقة2: من مجاط إلى ألمانيا 

تستأذن هيئة تحرير مؤسسة مراكش الإخبارية التي تبث موقع مراكش7 الإخباري جريدة العلم والزميل عبد الواحد الطالبي بمناسبة الذكرى العشرين ليوم نيويورك الدامي الذي شهد تفجير برجي التجارة العالمية وأودى بحياة أكثر من 4 آلاف شخص بريء وكان للحادث ما بعده من تطورات وأحداث على مستوى العالم ماتزال تداعياته قائمة إلى الآن ومازالت كثير من الأسئلة تثار حوله لا تجد لها جوابا

 وليس لمراكش7 في إعادة نشر هذا الحوار المشوق بالسرد المثير من أرشيف صحيفة العلم على حلقات يومية، هدف ينكأ جراح ما مضى قبل عقدين من الزمن، ولا لها غاية من الاسترجاع سوى الانخراط في أجواء التضامن العالمي ضد الإرهاب نشدانا للسلم والأمن العالميين.

 

 

في الذكرى ال20 لتفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك

 

هذه تفاصيل محاكمة هامبورغ

جلسات صريحة مع  امزوضي تكشف لأول مرة تفاصيل أحلام صغيرة وبطولة كبيرة

تنقلها مراكش الإخبارية عن أرشيف الزميلة جريدة العلم وتعيد نشرها في حلقات

 

 

لمزوضي،عنوانُ قصة شاب فقَأَتْ شمسُ الغرب عينيه اللألاءتين بماء متجمد كالجليد، وسرقتْ منه أيامُ الشَّمال حلمَه البسيط بساطة الأطفال حين يلعبون ووزعته بين قصاصات الجرائد وصكوك الاتهام، ورمت به إلى الظلام يسير ولا يعرف إلى أين.

 

قصةُ بطل داهمته البطولةُ في معركة حرب شرسة ضد الإرهاب لم يكن أبدا طرفا فيها ولا معنيا بها وساقه أثناء حمي وطيسها واستعارِ أُوارها قدرٌ محتوم إلى غياهب السجون وحكمَ عليه ألا يكون إلا بطلا بالصبر ومجاهدة النفس على تحمل البلوى ضد طاغوت كونفوشيوسية مزعومة لا يرى الحاكم بأمرها الإرهاب إلا في كل ذي لحية بسحنة عربية يؤدي فرائض الصوم والصلاة .

 

عاش المزوضي لا يرفع ناظريه عن آيات في مصحف أو موضوع في كتاب أو درس في دفتر أو مقرر؛ ولا يبرح حجر أمه أو يدلف خارج بيت أسرته إلا ليتلقفه حضن جده أو ليرتع في حقول مزوضة ضاحية مسقط رأسه على بعد 85 كيلومترا إلى الجنوب، وعندما خطا أطولَ، رسم خارطة الطريق في هجرة العلم والتحصيل نحو ألمانيا وتوقف بهامبورغ مسرح أحداث مفترضة ليوم أسودَ دامٍ في أمريكا دشن لعهد جديد في تاريخ الإنسانية بالحروب والتقتيل والتذبيح والهتك والانتهاك، وكان المزوضي أحد ضحاياها وواحدا ممن أثثوا مشهدا ساخرا لمطاردة دَغْلِ لحية، شخصياتُه أبطال من لحم ودم همْ أجهزةُ أمنٍ ومخابرات وهيئةُ حكم ٍيلهثون ولا يُدْركون كَدونْ كيشوت يحارب طواحين الهواء، والمزوضي بقامة قصيرة وجسم مكتنز معتدل ماثلا في قفص الاتهام هادئا واثقا يمسِّح بلحيته موضوع صك الاتهام.

 

من مراكش إلى هامبورغ رحلة محفوفة بالذكريات والمغامرات لطفل مغربي دلول مغمور وسط دروب المدينة العتيقة، موثَّقٍ بأصول تربية محافظة نمطية رسختها قيم الأسرة التقليدية والمدرسة الوطنية، يَفِعَ ولما يكدْ حتى طَبقَتْ شهرتُه آفاق الدنيا تشغل الناسَ أخبارُهُ مغربياً على صفحات الجرائد وفي كل وسائل الإعلام الدولية والتقارير الأمنية إرهابيٌّ خطيرٌ مطلوبٌ رأسُه على مقصلة سياف جال حواشينا من الشرق الأدنى إلى الشرق الأقصى مرورا بالشرق الأوسط والمغرب العربي يجدع الأنوف أو يقطع الرؤوس.

 

يعود المزوضي مكلوما بجراحات لا التئام لها إلى مراكش، ويشرَدُ في رحلة مسافتها مساحةَ العالم متأملا يناجي نفسه؛ هو بين أهله وليس معهم، لم تستطع مشاعر التضامن وأجواء الدفء التي دثرته بها الأسرة أن تستلَّهُ من عمق ذاكرة موشومة يسترجع منها تفاصيل حياة الهوان وجزئيات المعاناة والمأساة في صمت ناطق التقطت العلم كل حواره الداخلي وتنقله إلى قرائها ببساطة التعبير وبراءة الإحساس الذي انفجر منه، تأكيدا لموقف حاسم أن المغاربة الذين نشأوا على أسس التربية الوطنية في البيت والمدرسة بقيم التسامح والتعايش والاعتزاز بالهوية الدينية والقومية لا يمكنهم أبدا أن يكونوا إرهابيين أو مناصرين للعنف.

 

لســت إرهابيــا أنـا فقــط مغربــي

لا أنكر علاقتي بمنفذي التفجيرات:

محمد عطا الأمير محاور لبق وزياد الجراح مجتهد متفوق  ومروان الشحي طيب بشوش

 

السياســة قـذرة والحــرب نجاســة

 

 

الحلقة الثانية

 

من مجاط إلى ألمانيا

 

حطت قدماي في 09 يونيو 1993 بدوسلدورف، وهي أول مرة أبتعد بمثل هذه المسافة عن مراكش أو أركب طائرة، فأقصى ما نأيت كان سفرا داخل الوطن، اصطحبني والدي وجدي في زيارات متكررة للعائلة بمدن قريبة في المغرب، وكنت وقتما حلت العطل المدرسية أسافر إلى مزوضة بدائرة مجاط في إقليم شيشاوة، أنشد أغاني الحياة، هائما في أرجوحة الانخفاض والارتفاع بين السفح والجبل، يقع من حركتها في نفسي ثباتُ اليقين وتجدُّدُ الأمل.

 

السفر إلى مزوضة رسخ الأمازيغية في لساني بل علَّمَنيها، والسفر إلى ألمانيا دعاني إلى تعلم لسان أهلها. وفي مراكش قد لا يحتاج المرء إلى معلم ومنهاج لتعلم لغة أي جنس، اللغات في الطريق كبني البشر يَعْبُرون أُمَماً بكل الألوان. مدينتي بوابة منفتحة على كل الثقافات والديانات، وهَهُنا نتعلم قيم التعايش والتسامح، كلنا في مراكش متسامحون متعايشون، بِدَرْبِنا في حي القصبة الذي شهد صيحة ميلادي لا يفصلنا عن الحي اليهودي الملاح سوى سور، ويُفْضي الحيان إلى بعضهما البعض، ويجاورنا اليوم مسيحيون وغيرهم نتردد سويا على نفس المرافق الاجتماعية للحي ونتكلم لغة مشتركة.

 

في معهد ابن خلدون للتعليم الخاص بحي الرويضات، تزودت بحصص خصوصية في اللغة الألمانية وطاع لساني كما طاع قلبي لتشجيع أستاذي السي إبراهيم على السفر إلى ألمانيا، فاستعنت بعدما تهيأت، يُحَفِّزُني ريادة الجامعات الألمانية في الدراسات التقنية وعلوم الهندسة؛ والتوأمات القائمة بين المؤسسات الجامعية في البلدين؛ ويُسْر المساطر القنصلية للحصول على التأشيرة الألمانية، وآفاق العمل وإمكانيات الكسب بالنسبة للطلبة في ألمانيا؛ وتواجد عدد وفير من أبناء الدرب والأصدقاء والمراكشيين في مؤسسات التعليم العالي هناك.

 

لم يتطلب اندماجي مع الألمان وقتا يزيد عن ستين يوما، فقد أفادني رصيدي اللغوي من اللسان الفرنسي والإنجليزي والألماني في تحقيق تواصل سريع معهم، لغتي الفرنسية طليقة ولساني الإنجليزي حسَّنْتُه بدروس مكثفة في المركز اللغوي الأمريكي في مراكش بين عامي 1989 و 1990؛ ثم إن طبعي على ما يؤثره من هدوء، ميالٌ إلى السلوك الاجتماعي وفق ضوابط الاحترام وقواعد اللياقة التي لا أذكر أبدا إخلالي بها في كل ما أتذكر من علاقات جمعتني مع الجميع سواء في إطار لعب أو جد، خاضعا لأحكام الدين الإسلامي وشرائعه ولثوابت الأخلاق المغربية الأصيلة.

 

 

اللحية في ألمانيا تنبت نباتا حسنا

 

مع الألمان حافظت على كل القيم التي نشأت عليها وتربيت، وليس عندهم غضاضة، ونسجنا علاقات متميزة، كل طرف معتز بحضارته وثقافته، متقبل للآخر. لم أتصنع موقفا أو لبست جلبابا غير جلباب أبي، وحدها اللحية التي أنبتتها في بلادهم وعففت عنها. صليت وكنت أصلي، في عمر سبع سنوات أمَّمْت المسجد وأديت جنب والدي شعائر الفرض ودأبت على السجود والركوع بإيمان فردا وجماعة؛ وفي المدرسة الابتدائية كان الآذان إعلانا عن توقيف حصة الدرس ودعوةً لصلاة العصر جماعة بمسجد المؤسسة، يحرص المعلم أن يجدد كل التلاميذ الوضوء ويصلون. وكنت أصوم وصُمْتُ من قبْلِ البلوغ ككل الأطفال نتعود على الصوم في مناسبات تهتبلها الأسر للاحتفال بأبنائها كأنهم رشدوا، ونُجْزَى الأجْرَ الموعود.

 

ذاكرة موشومة

 

عند وصولي، احتجت في ألمانيا إلى أسبوعين لكي أنسى اللحظاتِ المؤثرةَ والدامعةَ لفراق الأسرة في مراكش، ومشهدَ توديع الأحباب والجيران، شقَّ علينا البَيْنُ وآلمَنا الرحيل. في بُؤْبُؤَتَيْ أمّي تجمَّع ماءُ كل جسمها النحيل ورأيته يسيل على وجنات أخواتي، يُغسِّلُ وجهيْ أخويَّ اللذين برق الشُّحوب على لونيهما وبَدَيا كموميتَيْن محنَّطتين؛ وبخوالج مضطربة تسمَّر أبي جنْب المتاع متطلِّعا إلى مستقبل نجله آخر عنقود نسله بالظفر والفوز، شاكرا هبة السماء أن أعفته تربيةُ الأم وتوازنُ الأسرة وانضباطُ الزوج وكفافُ المعيشة وخضوعُ الأبناء، حرجَ الوصية بالتنبيه والتحذير بالكلام المأثور من الحرام المحظور.

 

نسيت وما كدت، عاشت معي هذه اللحظات كل عمري بألمانيا تُطوِّقُني بمسؤولية الثقة التي بقيت جديرا بها، وفيا لعهدي مع نفسي ثم مع أهلي أن أعود إلى بلدي متى ما حصلتْ كفاية ما يؤهلني – أنا عبد الغني بن عبد السلام امزوضي – أن أخدم به وطني – بما تشبَّعْتُه من قيم وطنية فتَّحْتُ عينيَّ عليها عند جذوة الحماس الوطني أواسط السبعينات وأنا ابن ثلاث سنوات في مرحلة التعليم بالروض نتغنى بأناشيد المسيرة الخضراء –  مهندسا في الإليكتروتيكنيك.

يتبع…

 

 

اخر الأخبار :