في الذكرى الثالثة عشر لتفجير « أركانة ».. جروح لم تندمل وأرواح لم تغادر الأذهان و النسيان يقتل ضحايا أبرياء طالتهم يد الإرهاب

1726 مشاهدة

في الذكرى الثالثة عشر لتفجير « أركانة ».. جروح لم تندمل وأرواح لم تغادر الأذهان و النسيان يقتل ضحايا أبرياء طالتهم يد الإرهاب

 

  • ذاكرة مراكش تستحضر أعنف عمل إرهابي في تاريخ المدينة

  • تضامن ملكي وزيارة لموقع التفجير

  • العالم يقف حزنا على روح الأبرياء

  • ضحايا تحت التراب وآخرون يعانون فوق الأرض

 

تحل الذكرى السنويةُ الثالثة عشر لتفجير مقهى أركانة بمراكش، في الثامن والعشرين من أبريل،  ففي مثل هذا اليوم من سنة 2011، وحوالي الساعة 11 و55 دقيقة صباحا، حدث دوي انفجار قوي هز المقهى الكائن بساحة جامع الفنا، مخلفا عدة قتلى وجرحى من جنسيات مختلفة.

هذا الحادث الدموي الذي لم تشهد المدينة الحمراء مثله من قبل، كان له وقع كبير في نفوس المراكشيين والمغاربة، بل والعالم بأسره، بعدما قتل 17 شخصا وأصيب أزيد من 25 آخرين، منهم من تلازمه عاهات مستديمة الى يومنا هذا.

إبان الهجوم، قتل عدد من الرعايا الأجانب ضمنهم ثمانية فرنسيين، كندي، بريطاني، هولندي، سويسري وبرتغالي، إضافة الى مواطنين مغربيين. أما الجرحى، وهم من جنسيات مختلفة أيضا، فقد تم نقلهم إلى المستشفى حيث تلقوا جميع العلاجات الضرورية قبل العودة إلى بلدانهم في الأيام الموالية للحادث.

مرت السنوات وانمحت آثار الدمار من المكان، لكن من الصعب أن تمحى من الأفئدة، فظل هذا التاريخ محفورا بلون الدم في ذاكرة كل مراكشي وفي قلوب الضحايا وأسر الذين قضوا نحبهم.

لويز جيرار، هي شابة فرنسية تبلغ من العمر 26 سنة، كانت من بين ضحايا التفجيرات الإرهابية التي استهدفت مقهى أركانة، إذ كانت في ربيعها الثامن عشر عندما قررت شرب كأس من عصير الليمون بساحة جامع الفنا رفقة شقيقتها « سالوميه »، ولم تكن تدرك لوهلة أن هذا الكوب سيغير مجرى حياتها إلى الأبد.

حياة تلك الشابة اليافعة المفعمة بالحيوية، انقلبت رأسا على عقب، وتحولت إلى كتلة من المعاناة، بعدما أخذ منها الحادث أختها « سالوميه »، فيما أصيبت هي الأخرى بعدة جروح على مستوى الوجه ومناطق أخرى من جسمها الصغير، لم تتمكن من جبرها إلى اليوم.

أضيفت محنة الحاضر إلى شبح حادث الماضي، فبعد مرور ثمان سنوات تتفاجأ أسرة « لويز » بعدم صرف التعويضات المادية التي أمر جلالة الملك محمد السادس آنذاك بتخصيصها لجميع ضحايا العمل الإرهابي الشنيع.

في ملفها لهذا العدد، تحيي جريدة « مراكش الإخبارية » ذكرى أبشع حادث إرهابي في تاريخ المدينة الحمراء، تكريما لروح الضحايا الأبرياء الذين رحل منهم البعض والبعض الآخر يصارع ذكريات الماضي والحاضر، وقصة الشابة « لويز » التي سنعود لها بالتفاصيل في ملفنا، هي مجرد مثال لما يعيشه الضحايا الآخرون وأسرهم جراء النسيان الذي طالهم، والذي ساهم فيه بشكل كبير الطابع الغالب على مفكرة أغلب المسؤولين، الذين لم يفوا بوعودهم ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الإنصات، وكذا المكاتب التي أوصدت أبوابها في وجه أشخاص يعانون في صمت.

 

ذاكرة مراكش تستحضر أعنف عمل إرهابي في تاريخ المدينة

صباح يوم الخميس 28 أبريل 2011، أودى انفجار عنيف بمقهى أركانة في قلب جامع الفنا بمراكش، بحياة 17 شخصا وإصابة 25 آخرين من بينهم أجانب و مغاربة.

وعلى الفور تم إيفاد فرق الإنقاذ إلى مكان الانفجار، وأشارت المعطيات الأولية التي تم الحصول عليها في عين المكان إلى أن الحادث ناتج عن عمل إجرامي، وقد تم فتح تحقيق لتحديد ملابساته.

بعد ساعات، أعلن الطيب الشرقاوي وزير الداخلية، آنذاك، أن الاعتداء الإجرامي الذي استهدف مقهى أركانة بمدينة مراكش يتعلق بعمل إرهابي ناتج عن انفجار قوي بواسطة مادة متفجرة داخل المقهى كما تبين على ضوء الأبحاث الأولية المنجزة من طرف المصالح الأمنية تحت إشراف النيابة العامة.

وأوضح السيد الطيب الشرقاوي في تصريح صحافي بمراكش أن عدد قتلى هذا الاعتداء الإجرامي بلغ 17 شخصا من بينهم 15 من جنسيات أجنبية ومواطنين مغربيين.

أما عدد الجرحى فقد بلغ 25 شخا، إصاباتهم متفاوتة الخطورة، حيث استقبل مستشفى ابن طفيل سبعة مصابين، مغربيان وخمسة فرنسيين، فيما رقد بالمستشفى العسكري ابن سينا خمسة جرحى، هم هولنديان وفرنسيان ومغربي واحد، وقد تمت تعبئة كل الإمكانيات الطبية واللوجيستيكية للتكفل بالجرحى والعناية بوضعيتهم الصحية، كما تم خلق خلية لاستقبال أقارب وعائلات الضحايا لإعطائهم كافة المعلومات المتوفرة ودعمهم نفسيا بطاقم طبي متخصص.

في اليوم الموالي، أكد وزير الداخلية الطيب الشرقاوي، خلال اجتماع للجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب، أن التحريات الأولية حول الاعتداء بينت أن عملية التفجير تمت عن بعد، وأن الأمر لا يتعلق بعملية انتحارية.

 

تضامن ملكي وزيارة لموقع التفجير

على خلفية العمل الإجرامي المقيت الذي استهدف مقهى أركانة بمراكش، عبر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، آنذاك، من خلال بلاغ رسمي لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، عن إدانته الشديدة لهذه الجريمة التي راح ضحيتها عدد من الأبرياء، كما شجب جلالته، بكل قوة، ما استهدف مدينة مراكش العريقة، رمز التعايش بين الأديان والحضارات.

وقد أكد جلالته أن مثل هذا العدوان الإجرامي الجبان، الذي يتنافى مع القيم الإنسانية المثلى لاحترام الحق المقدس في الحياة، والتسامح والحرية والسلم، التي يتشبع بها الشعب المغربي، لن ينال من عزم المغرب، ملكا وشعبا، على أن يظل بلد الطمأنينة والاستقرار، وملتقى آمنا لكل الشعوب والثقافات، ولن يزيد المغاربة إلا إصرارا على التصدي لكل من تسول له نفسه المساس بالنموذج الذي ارتضاه جلالته للبلاد في ترسيخ التطور الديمقراطي والتنموي، والتضامن مع المجتمع الدولي في مكافحة كل أشكال الإجرام والعدوان والإرهاب.

وبعد الواقعة بيومين، قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، بعد ظهر يوم السبت 30 أبريل 2011، بزيارة لموقع الاعتداء الإجرامي، عكست في طياتها تضامن جلالته مع أسر الضحايا في تلك الظروف العصيبة ومشاطرته لآلام وأحزان المغاربة قاطبة.

إثر ذلك، وفي نفس يوم زيارة موقع الجريمة، حرص جلالته شخصيا على مواساة الضحايا، من خلال زيارة لمستشفى ابن طفيل والمستشفى العسكري ابن سينا بمراكش، حيث تفقد أحوال الجرحى واطمأن على الحالة الصحية للمصابين الذين تلقوا العلاج بمختلف المصالح الطبية بالمستشفيين، كما استفسر عن الإجراءات التي تم اتخاذها لضمان علاجهم في أحسن الظروف.

التضامن الملكي مع الضحايا وأسرهم لم يتوقف عند هذا الحد، إذ أعلن جلالته عن قراره المولوي الكريم، بالتكفل بلوازم دفنهم ومآتم عزائهم، وأصدر أمين المؤمنين تعليماته السامية من أجل تقديم مساهمة مالية لجميع المتضررين من هذا العمل الإجرامي الذي امتدت فيه الأيادي الآثمة إلى ضرب حياة الأبرياء وتهديد أمن واستقرار المواطنين.

 

العالم يقف حزنا على روح الأبرياء

عقب الأحداث الدامية لمقهى أركانة، تحولت مراكش إلى وجهة عالمية للإدانات الدولية وعبارات الشجب والتضامن، وقد شددت العديد من دول العالم على ضرورة أن يشكل هذا العمل الإجرامي حافزا نحو مزيد من الإصلاحات السياسية والدستورية بالمملكة.

الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي كان أول المنددين، بعدما أعلن قصر الإليزيه حزنه العميق وإدانته الشديدة لهذا العمل المشين والبشع والجبان، وأشار ساركوزي الى أن مصالح السفارة الفرنسية بالمغرب بتنسيق تام مع السلطات المحلية تلقت أوامر لتقديم المساعدة الضرورية للمملكة.

بدورهم، عبر أعضاء مجلس الأمن عن تعاطفهم العميق وتعازيهم الصادقة لضحايا هذا العمل الشنيع ولأسرهم، وكذلك للحكومة والشعب المغربيين. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، رفضه القاطع لاستخدام العنف الأعمى ضد المدنيين الأبرياء، وأكد أنه لا يوجد هدف سياسي يمكن تبريره أو خدمته من خلال هذه الأعمال الشائنة.

هيلاري كلينتون، رئيسة الدبلوماسية الأمريكية آنذاك، من جانبها، أكدت أن الولايات المتحدة الأمريكية تدين بأقوى العبارات الاعتداء الإرهابي، مؤكدة وقوفها إلى جانب الشعب المغربي في تلك الظروف الصعبة.

الحكومة الاسبانية، أيضا، أعلنت دعمها وتضامنها مع المغرب مشيرة إلى أن التعاون سيستمر في المستقبل بالنظر إلى علاقات الجوار والمصالح المشتركة التي تربط بين البلدين، كما أجرى العاهل الاسباني زيارة خاصة لمراكش في أعقاب الهجوم.

دول أخرى عبر العالم انخرطت في حملة التضامن مع المدينة الحمراء، من بينها إيطاليا التي أدانت « بصلابة » التفجير الإجرامي، كما بعث الرئيس الأرميني سيرج سركسيان بتعازيه إلى جلالة الملك، وأيضا الجزائر الشقيقة التي نددت بأقصى قدر من الصرامة الهجوم الإرهابي الجبان.

أما ساحة جامع الفنا، موقع الهجوم الشنيع، فقد غصت لعدة أيام بالمواطنين والزوار، من خلال وقفات صامتة رفع خلالها المشاركون المنتمون لمختلف المجالات والقطاعات، شموعا وورودا بيضاء وضعوها قرب المكان الذي شهد التفجير.

 

يقظة المصالح الأمنية تطيح بالمتهمين في ظرف وجيز

قامت مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، في ظرف أسبوع واحد،  بتحريات دقيقة ومعمقة مكنت المصالح الأمنية من إلقاء القبض على ثلاثة مواطنين مغاربة من بينهم المنفذ الرئيسي لهذه العملية الارهابية، ثم توالت الاعتقالات الى أن بلغ العدد الاجمالي تسعة متهمين.

وذكر بلاغ لوزارة الداخلية بتاريخ 05 ماي 2011، أن المشتبه فيه الرئيسي في تنفيذ التفجير، عادل العثماني، متشبع بالفكر الجهادي ويبدي ولاءه لتنظيم القاعدة، وسبق أن قام بعدة محاولات للالتحاق ببعض بؤر التوتر خاصة الشيشان والعراق قبل أن يقرر القيام بعملية ارهابية داخل أرض الوطن.

وأضاف البلاغ بأنه بعدما تمكن من كيفية صنع المتفجرات عبر شبكة الأنترنيت، قام بصنع عبوتين ناسفتين متحكم فيهما عن بعد حملهما إلى مدينة مراكش بعد أن وقع اختياره على مقهى « أركانة »، بحكم توافد العديد من الزوار المغاربة والأجانب على هذا الفضاء العمومي الذي دخله متنكرا في هيئة سائح.

نفس المصدر، أضاف أن التحريات الأولية، التي قامت بها نفس المصالح الأمنية، مكنت من العثور على بقايا المواد المتفجرة وبعض الأدوات التي تم التخلص منها بعد تنفيذ العمل الإرهابي.

المتهم الثاني، عبد الفتاح دهاج، المزداد سنة 1973، متزوج وأب لطفل، عاطل عن العمل، ويقطن بتجزئة نجاح الأمير بالمنطقة الجنوبية لآسفي التي ينتمي إليها أغلب المتهمين في الملف.

أما المتهم الثالث والذي تم إيقافه بمنزله، فهو محمد النجيمي المزداد سنة 1982، بائع متجول، ويقطن بدار بوعودة بحي الزاوية، وقد كان عضوا بجماعة الدعوة والتبليغ، وسبق أن قام معهم بجولات في عدد من المدن.

المتهم الرابع حكيم الداح، مزداد سنة 1970 بآسفي، كان بائعا متجولا للأحذية الرياضية، غير متزوج ولا سوابق له بذكره، أما المتهم الخامس فهو عبد الصمد بطار المزداد سنة 1982 بآسفي، فقد كان متزوجا وأبا لطفل واحد، وكان يبيع الأحذية.

المتهم السادس كان وديع اسقريبة الملقب « أبو مالك »، ولد سنة 1982 بآسفي، كان متزوجا دون أبناء ويعمل بائعا للأعشاب، ثم المتهم السابع المسمى عز الدين لشداري، مزداد بتاريخ 1979 بآسفي، كان غير متزوج ويعمل كبائع متجول.

المتهمان الأخيران هما ابراهيم الشركاوي، المزداد سنة 1974، كان تاجرا، متزوج وله طفلين، ومحمد رضى الملقب « أبو حفص »، المزداد سنة 1979، بائع متجول، متزوج وله طفلين أيضا.

 

تهم ثقيلة وأحكام منطقية

توبع المتهمون من أجل تهم تكوين عصابة لإعداد وارتكاب أعمال ارهابية والاعتداء عمدا على حياة الأشخاص وعلى سلامتهم، وصنع ونقل واستعمال المتفجرات خلافا لأحكام القانون في اطار مشروع جماعي يهدف الى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف وعقد اجتماعات عمومية بدون تصريح مسبق وممارسة نشاط في جمعية غير مرخص لها طبقا للمادتين 218-1 الفقرات 1-6-7 و7-218 من القانون 03/03 المتعلق بمكافحة الارهاب المؤرخ في 28/5/2003، والفصلين 5و8 من ظهير تأسيس الجمعيات و3-9 من ظهير التجمعات المؤرخين في 1958/11/15 المغيرين والمتممين في 1973/4/10 و 2002/7/23.

محاكمة المتهمين، التي انطلقت في 30 يونيو الماضي، عرفت مواكبة إعلامية وطنية ودولية واسعة وحضورا لافتا لعائلات الضحايا المغاربة والأجانب الذين تابعوا أطوار الجلسات الستة التي استغرقتها هذه المحاكمة.

وبتاريخ 28 أكتوبر 2011، أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بقضايا الإرهاب بسلا، حكما بالإعدام في حق عادل العثماني المتهم الرئيس في الاعتداء الإرهابي على مقهى « أركانة « بمراكش.

وقضت المحكمة أيضا بالسجن المؤبد في حق حكيم الداح وبأربع سنوات سجنا نافذا في حق كل من عبد الصمد بطار وعز الدين لشداري وابراهيم الشركاوي ووديع اسقيريبة، فيما قضت بسنتين حبسا نافذا في حق محمد رضا ومحمد النجيمي وعبد الفتاح الدهاج بعد مؤاخذتهم بما نسب إليهم.

كما قضت المحكمة في حق كل من عادل العثماني وحكيم الداح بأداء كل واحد منهما تعويضا مدنيا لفائدة الضحايا المغاربة يتراوح بين 30 و5 آلاف درهم.

 

ضحايا تحت التراب وآخرون يعانون فوق الأرض

تفجير أركانة كان جريمة شنعاء هزت عاصمة النخيل بأكملها، بعدما انعدم لمنفذها الضمير الانساني وعمد إلى الاعتداء على مواطنين أبرياء دون وجه حق، مخلفا مجزرة تقشعر لها الأبدان باعثا الصراخ والأنين وبتر الأجساد، ناشرا الرعب في المكان على حين غفلة، وتاركا وراءه كما هائلا من القتلى والجرحى.

مرت ثلاثة عشر سنة على الفاجعة، مدة كانت كفيلة لإقبار أحلام 17 شخصا، تماما كما قلبت حياة ضحايا آخرين يعيشون الى حدود الساعة معاناة مستمرة، سواء بسبب الاعاقة أو بسبب الكوابيس اليومية التي لا تزال ترافقهم وترفض هجر ذاكرتهم.

كريستيان كاسيا أنا، اريل لوي لوسيان أزنار، أنجليك كوتيير، موداصو مباري، كاثرين لومباري، جان أوبير، كريستين بوهات، داسفا كوتيا، ادري روداردو، موندادا كورادو، كميل ديوالي، سالوميه جيرار، ياسين بوزيدي وآخرون، كلها أسماء ستبقى راسخة في ذاكرة عاصمة النخيل بعدما دفنت أجسادها تحت التراب لكن أرواحها لن تدفن مهما طال الزمان.

أما من منحتهم الحياة فرصة ثانية للعيش فيحسون بالظلم والوحشية ومعاناتهم لا تفارقهم ولو لوهلة، فمنهم من فقد أحد أعضاء جسمه ومنهم من أصيب بعاهة مستديمة جعلته يعيش بقية حياته في عذاب وألم.

مجموعة من العاملين بالمقهى لم يسلموا بدورهم من الحادث، ووجدوا أنفسهم دون عمل جراء الاصابات البليغة التي لحقتهم، كما أنهم دخلوا في أزمات نفسية تطلبت وقتا طويلا من العلاج، كما هو الحال للحسين إضرضار، الذي كان يعمل نادلا لأكثر من عشر سنوات في المقهى، والذي أكد في تصريحات سابقة لوسائل اعلامية وطنية أنه قضى في المستشفى أزيد من شهرين ثم خرج بأكثر من مائة غرزة في جسده وأربعة ملايين سنتيم كتعويضات على الحادث.

« رومان سيلزنيف »، شاب روسي كان من بين الناجين، لكنه سقط في غيبوبة تامة و قال الأطباء لزوجته حينذاك إنه لن ينجو من الموت، ثم استيقظ بعد أسبوعين من الحادث. وتناقلت احدى الصحف الروسية أن الضحية أجرى عدة عمليات جراحية على الجمجمة بعد نقله الى العاصمة موسكو، فيما تواصلت فترة التطبيب لمدة سنة كاملة.

لويز جيرار، هي شابة فرنسية من بين الضحايا، كانت في سن الـ 18 عندما قررت شرب كأس من عصير الليمون بساحة جامع الفنا رفقة شقيقتها « سالوميه »، ولم تكن تدرك للحظة أن هذا الكوب سيغير مجرى حياتها الى الأبد.

ترعرت لويز (26 سنة) في منطقة « لاروشيل » بفرنسا وحصلت على شهادة البكالوريا قبل أشهر فقط من يوم التفجير، كانت تحب السفر كثيراً، وخصوصاً إلى مدينة مراكش التي كانت تعشقها وتعشق طيبوبة سكانها.

اسم مقهى أركانة بمراكش أصبح مرتبطا في أذهان لويز وعائلتها بالحزن والألم من هول الفاجعة التي دمرت الأسرة الصغيرة، « سالوميه » رحلت عن العالم واستقرت تحت التراب، و »لويز » تعد السنوات والأيام في محاولة لتضميد الجراح.

جسد الصغيرة « لويز » تحول الى جثة يمزق أحشاءها الوهن الذي تراكم منذ الخميس الأسود، ولم يفارقها ولو لبرهة، كيف لا وملامح وجهها البريء تذكرها في كل لحظة بمأساة التفجير، وصارت تكره محادثة نفسها أمام المرآة بعدما خضعت لأزيد من 12 عملية تجميل على مستوى الوجه.

قبل يوم التفجير، كانت « لويز » شابة ذات طموحات كبيرة، وكانت تتابع دراستها بأحد المعاهد العليا للسياحة بعد نيلها لشهادة البكالوريا، الا أن حلمها توقف بعد أن قضت أزيد من سنة تحت الرعاية الصحية بأحد المستشفيات العسكرية بفرنسا.

شبح حادث الماضي انضافت إليه محنة الحاضر، فبعد مرور ثمان سنوات تتفاجأ أسرة « لويز » بعدم صرف التعويضات المادية التي أمر جلالة الملك محمد السادس آنذاك بتخصيصها لجميع ضحايا العمل الارهابي الشنيع، اذ توصلت بنسبة 75 في المائة فقط من نسبة المبلغ المخصص للابنة المتوفاة « سالوميه »، في الوقت الذي استخلص فيه المحامي المكلف بالملف نسبة 25 في المائة من التعويضات الاجمالية المقدرة ب100 مليون سنتيم عن كل ضحية، أما الشطر الخاص ب »لويز » فلم يتم التوصل به بالمرة.

وفي تعقيبها عن التعويضات، تؤكد الأسرة أن لا شيء سيعوض مرارة المأساة التي تجرعتها نتيجة مصير الشقيقتين، وأن الأهم في الوقت الراهن هو أن تعود لويز الى حياتها العادية.

ورغم كل ذلك فان « لويز » لم تكره يوما مراكش ولا المغرب، بل على العكس من ذلك فقد طالبت بمنحها الجنسية المغربية، وهو ما تأتى لها بالفعل، وهي حاليا تحاول استدراك ما فاتها وقررت السير نحو هدفها المتمثل في أن تصير أستاذة لمادة التاريخ والجغرافيا.

المجتمع المدني ودوره المحوري في دعم الضحايا

جمعيات حقوقية وثقافية ونسائية وشبابية ومنظمات المجتمع المدني وممثلي النقابات والأحزاب السياسية، بدورها، انخرطت في الحملة التضامنية مع ضحايا تفجير أركانة، من خلال مسيرات ووقفات بمناطق مختلفة من المدينة الحمراء، وقد عبرت عن دعمها اللامشروط في مناهضة العنف والارهاب والعمل على احياء ذكرى هذا الحادث المفجع، حتى لا تطاله ظلال الإهمال والنسيان.

ووجد ذوو الحقوق في قضية ملف أركانة بمراكش، الجمعية الفرنسية لضحايا الارهاب بالمغرب، سندا قويا لهم، اذ حاولت الاتصال بجميع الضحايا، من أجل تقديم الدعم المعنوي والنفسي لهم ولأسرهم.

وأسست الجمعية الفرنسية لضحايا الارهاب بالمغرب بمدينة الدار البيضاء، إبان أحداث 11 بالعاصمة الاقتصادية، الغرض من تأسيسها كان الاعتراف بضحايا الإرهاب في المغرب  وتخليد ذكرى الحادثة، وكذلك القيام بعقد ندوات وطنية ودولية، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة تحسيسية في المؤسسات التعليمية، وقد كانت أول من طالب بإحداث اليوم العالمي للضحايا في العالم الذي هو 21 غشت.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اخر الأخبار :