فرق كبير بين الفن والعفن

1903 مشاهدة

فرق كبير بين الفن والعفن

بقلم الكاتب : إدريس الأندلسي

 

أعترف بأني أنتمي إلى جيل قديم وربما لا يفقه شيئا في فن كوميديا اليوم. ورغم آثار السنين على قدرة أبناء السبعينات على التمييز بين فنان و”فنان” يقف على منصة أو خشبة في يومنا هذا البئيس هذا وقليل الحيلة هذا. الحمد لله أن بعض شباب اليوم يبعثون في نفسي انشراحا بأقوالهم وحركاتهم ونكثهم. نعم هؤلاء مبدعون وغدا سيكونون نجوما.

الكل يعرف أن اليوم يوم استفزاز لكل شيء وخصوصا لمن لا زال يؤمن ويحترم القيم ومبادئ التعامل مع جمهور يضم أطفالا وأمهات ورجالا تربوا على إحترام الكبير وصيانة حرمة الأسرة والمجتمع. قد يعتبر البعض أن هذا الكلام فيه ما فيه من الرجعية. نعم ولكن ليس فيه احتقار المرأة ولا تمريغ شخصيتها في الوحل عبر كلام منحط وغير مسؤول. الكوميديا علم يبنى على موهبة وسلوك ة تكوين ة ثقافة وليس على مباراة غير مهنية قد تفرز بعض المعطوبين ثقافيا واجتماعيا وأخلاقيا.

رحم الله فناني كوميديا الموقف وكوميديا الخطاب وكوميديا الحبكة اللغوية المصنوعة من علماء اللغة.

لا أدري إن كان بعض ” المضحكين ” في حاضرنا يعرفون فصول تاريخ الكوميديا المغربية. هل كلمهم أحد عن بوشعيب البيضاوي والقدميري والمبدع الطيب لعلج وعبد الجبار الوزير ومحمد بلقاس وعبد الرؤوف وقشبال وزروال. وهل تعلموا ممن لا زالوا يقفون على المسرح وفي الأستديوهات مثل السيدة الركراكي والسادة الجم وفركوس والخياري وغيرهن وغيرهم. وهل تعرفوا على تجربة رائعة وملتزمة صنعها باز وبزيز. لا أظن أن بعض من يحتلون سوق الكوميديا اليوم لهم خلفية تحفظهم من السقوط في التفاهة والارتجال غير الموفق. كلهم دخلوا إلى عالم الشهرة عبر إتقان فن النكتة وليس عبر إتقان علوم الكوميديا. وهذه تتطلب الكثير من العمل الفكري والتكوين الفني. كثير من تجار نكتة اليوم ظلوا بعيدين عن ورشات التكوين المسرحي.

لكل ما سبق، أقول للمدعو طاليس، من فضلك، لا تتوسل التصفيقات. أرجوك، ابتعد عن الارتجال الخطير الذي يؤدي إلى أخطاء لا تغتفر. أتمنى أن تقرأ كثيرا وتتعلم بكثير من التواضع وتتملك أدوات الوقوف أمام الجمهور باحترام وباحترافية. أخاف من غرور بعض نجوم النكتة على أنفسهم. الأمر كبير ويتطلب الكثير من التكوين المسرحي وكثيرا من الاحترام للجمهور. يا من رضيت أن تحمل اسم طاليس وهو اسم فيلسوف وعالم اغريقي عاش في القرن السابع قبل الميلاد، اعلم أن الشهرة عابرة مثل السحاب وأن الكلام لا يمحيه الزمن. الغرور يقتل حب الظهور والكلام الموزون الذي يتم تحضيره بمهنية يحفظ الكرامة ويحمي من السقوط في المحظور. اعتذر بأدب لأن المرأة المغربية أكبر وأعظم بكثير من ملايين ذكور هذا الوطن. النكتة التي تحط من كرامة أم وأخت وابنة لا يجب أن تدخل إلى حفل يحتفي بالأبطال الذين اسعدوا أبناء الوطن. ودونهم من يحتقرون المهندسات والطبيبات والمعلمات ورائدات الفضاء والوزيرات والمقاولات وغيرهن من بطلات هذا البلد. نعم للكوميديا التي تحتفي بالإنسان بمهنية وتكوين وثقافة ولا للإضحاك المسيء لكل القيم.

اخر الأخبار :