سلسلة أيقونة حوار الثقافات الحلقة 6 : المسلمون واليهود في المغرب فرقتهم العقيدة والدين ووحدتهم المائدة
2647 مشاهدة
يواصل موقع مراكش7 نشر سلسلة المغرب أيقونة لحوار الثقافات والتي يعدها الزميل عبد الواحد الطالبي ، فبعد الحلقات الماضية :
الحلقة 1 : مظاهر فن العيش المغربي من خلال التأثير العبري
الحلقة 2 : الزي المغربي التقليدي استوحي تفصيلاته من لباس الأحبار اليهود والرهبان المسيحيين
الحلقة 3 : تشابه الطقوس ووحدة العادات في المزارات عند المغاربة مهما اختلفت دياناتهم
الحلقة 4 : الصياغة صناعة اليهود المغاربة بامتياز
الحلقة 5 : لليهود بصمة على الصالون المغربي بمهارة وإتقان
ندرج الحلقة السادسة حول موضوع :
المطبخ المغربي الألذ والأشهى والأكثر تنوعا وغنى بين ما هو مسلم عربي وبين ما هو يهودي عبري
تغري موائد اليهود المغاربة بكل ما يفتح الشهية للغذاء من الأطعمة المتبلة (الحلال) المطهية بإرث مئات السنين من فنون المائدة العبرية.
ويحافظ اليهود المغاربة على أصول الطبخ العبري رغم كل ظروف التواصل واللقاء مع الثقافات الاخرى ومنها الثقافة العربية الاندلسية والمتوسطية الاوربية، وما يزالون حريصين على عوائدهم التي تجعل المطبخ اليهودي متميزا.
وصية الحلال (كاشير)
وقد أوصى المسلمون المغاربة في قولهم المأثور بطعام اليهود لشدة الحرص فيه على حسن الذبحة وتجنب كل لاشية وكثرة استعمال الثوم والتوابل المقوية والعطور التي تفتح الشهية.
وشهدت أصناف الأطعمة على الموائد اليهودية إقبالا كان يتزايد عند مشاركة المسلمين لليهود احتفالاتهم ب »الكيبور » وأعياد رأس السنة العبرية وفي « الهيلولات » وأمسيات « الشباط » فستثارت شهياتهم « السخينة » و »الرقاق » وصنوف الحلويات المحشوة والمعسلة والعجائن المالحة وبدون ملح وغيرها.
كما كان المسلمون لا يحجبون موائدهم في المناسبات الدينية والعائلية عن جيرانهم وأصدقائهم وشركائهم من اليهود المغاربة.
المسلون واليهود في المغرب فرقتهم العقيدة والدين ووحدتهم المائدة في بلد أصبح مستحيلا التفريق فيه في صنوف الأطعمة المغربية التي بوأت المغرب في المركز الثالث عالميا بعد المطبخين الفرنسي والياباني ضمن تصنيف المطابخ الألذ والأشهى والأكثر تنوعا وغنى بين ما هو مسلم عربي وبين ما هو يهودي عبري.
وحده مشروب « العرق » أو « ماء الحياة » ميز المائدة اليهودية عن العربية المسلمة فيما ميز هذه الاخيرة مشروب الشاي المنسم بمختلف النبتات العطرية.
إغراء الحلو والمالح في توليفة الطعام الفريد بالعالم
وقد استفاد المطبخ المغربي من التوليفات التي ميزت المائدة اليهودية بين المالح والحلو وتَطَبَّعَ بكثير من عادات التنويع في المأكولات واستعمال الخضر بكثرة في أصناف الطهي وأضْرُبِ الأطعمة كما استعمال الفواكه مع اللحوم.
إن المطبغ المغربي ضَمِنَ الفرادة والتميز إقليميا وجهويا في بعض صنوف الطهي التي آلفت بين الحلو والمالح واستعملت البُرَّ مع المرق مثل (الهركَمة) التي متحت بعض خصوصياتها من طبق (السخينة) اليهودي.
و »السخينة » طبق يعد زوال يوم الجمعة قبل ان يسبت اليهود الذين تحرم عليهم عقيدتهم بين عصري يومي الجمعة والسبت إشعال النار وإيقاد النور، ويكون هذا الطبق قابلا للتسخين لأجل الاكل دافئا وهذا أصل تسميته لكنه مهيج بتوابله مثير أيضاً للذة والشهوة الجنسية لأن اليهود مساء السبت ينصرفون للهو ومداعبة الزوجات.
توابل السخينة وغيرها من الأعشاب العطرية التي استعملها اليهود استفاد منها المغاربة المسلمون في طبخهم الذي لا تكاد تختلف اطباقه عن الأطباق اليهودية.
تقول السيدة سارة عضو الطائفة اليهودية المغربية في مراكش، ان اليهود والمسلمين تمازجوا وتداخلوا ولم يعد ممكنا الفصل في الطبخ بين الاصيل والوافد او بين العبري والعربي، « فكلنا يطبخ الكسكس ويأكله وجميع المغاربة يهتمون بالمخللات ويعتبرون الطاجين طبقهم اليومي المفضل ».
وتؤكد السيدة سارة التي تعتز بهويتها المغربية أن المطبخ اليهودي هو نفسه المطبخ المغربي مع اختلافات بسيطة مشيرة الى ان اليهود كانوا سباقين الى طبخ الفواكه (البرقوق) و(المشمش) و (التين) و(الكرز) مع اللحوم والدجاج والذي اصبح في ما بعد من الاطباق المقدمة في المناسبات عوض (الشواء) للفئات التي لا تقدر على إطعام الولائم بالخرفان.
وتضيف ان المطبخ اليهودي اهتم بالكسكس بنكهة الزبيب والعسل والذي درج على موائد المسلمين ب(التفاية) مسجلة ان اليهود حافظوا على (كسكسهم) الذي أغنى أطباق الكسكس المغربي باللحم او الدجاج مع الخضر أو الحمص والجزر او الزبيب والبصل.
المطبخ المغربي معيار حقيقي تقاس عليه قيم التسامح والتعايش
وتتحدث السيدة سارة عن الحلويات وحشوات العجائن لاسيما البريوات التي اعتبرتها إنتاجا يهوديا طور المطبخ المغربي حشوته باللوز والأرز المنسم بماء الزهر والقرفة وبالخضر وبالزبانخ واللحم المفروم وغيره.
ويستدرك السيد جاكي كادوش رئيس رابطة اليهود المغاربة في جهة مراكش تانسيفت الحوز بشأن اهتمام المطبخ اليهودي بالسمك والحوت لاسيما أسماك الأنهار والاودية التي تحضر بنكهات مختلفة باستعمال الأعشاب العطرية والتوابل المهيجة للشهوات الجنسية لاسيما بعد (الشباط) مؤكدا أن وجبة السمك تكاد تكون مقدسة في الاسبوع مرتين.
وينفي أن يكون المطبخ المغربي اليوم قابلا للنظر الى موائده وأطباقه على أساس التمييز بين اليهودي والمسلم او العبري والعربي لأن المطبخ المغربي هو المعيار الحقيقي الذي تقاس عليه قيم التسامح والتعايش التي آمن بها المجتمع المغربي.
المائدة المغربية نتاج ثقافة شعب عظيم وحضارة تليدة وتاريخ عريق
ولعل الملاحظ يسجل ان المطبخ المغربي مختلف كثيرا عن المطبخ العربي سواء في شمال افريقيا او في الشرق الاوسط والخليج العربي بتنوعه وغناه واستعمالاته المتعددة للتوابل التي لا ينتجها المغرب والأعشاب العطرية المستوردة من آسيا وذلك لأن هذا المطبخ كان قابلا منذ الهجرات الاولى لليهود الى هذا البلد وتلاقحهم مع السكان الاصليين من أمازيغ ثم من عرب وما تلا هذه الهجرات من أخرى متلاحقة ابتداءا من القرن ال15 كانت رافدا تعزيزيا لرصيد هذه المثاقفة الحضارية على ارض المغرب.
وليس مهما الان البحث عن الاصول الفزيائية للمطبخ المغربي او الجواب عن الاطباق وصنوفها هل هي عربية ام عبرية ولكن المهم هو تلذذ هذه الاطباق والاستمتاع بنكهة المطبخ المغربي والاعتراف له أنه نتاج ثقافة شعب عظيم وحضارة تليدة وتاريخ عريق ماكان ليكون لو انغلق المغاربة على انفسهم وغلقوا دونهم الابواب وتعصبوا حيث لا يجب التعصب.