ريبورطاج (2/2)  مظاهر التسول والأنشطة التمويهية التي يعتمدها المتسولون بمراكش

2019 مشاهدة

ريبورطاج (2/2)  مظاهر التسول والأنشطة التمويهية التي يعتمدها المتسولون بمراكش

 

بثيابه الرثة وحذائه البالي وشعره الأشعث، يتنقل بين الأرصفة والشوارع، وباحات المقاهي ومداخل المتاجر، يمشي ويقف حينا، ويجلس حينا أخر، يمد يده النحيفة ويردد  » على الله » أو « عاوني يعاونك الله »، مصحوبة بالدعاء للمتصدق باليسر والبركات ودوام الصحة والعافية…تلكم حالة من مجموع حالات أخرى للمتسولين بمراكش الحمراء..فنتيجة للوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعرفه بلادنا جراء تداعيات جائحة كورونا، تزايدت وثيرة هذه الظاهرة بشكل كبير بمدينة مراكش، فما هي مظاهر التسول بالمدينة الحمراء؟ وما هي الأنشطة التمويهية التي يستعملها المتسولون؟ وكيف يتم استغلال الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة في التسول؟ وما هي طرق الاحتيال المستعملة ؟ وكيف يصبح التسول مفضيا لظواهر أخرى مثل الدعارة؟ وكيف راكم متسولون أغنياء ثروتهم؟ وما هي وجهة نظر القانون في مقاربة هذه الظاهرة؟

تسول بطعم الإحتيال 

ادعاء البداوة والأمية هي واحدة من بين الطرق الجديدة للتسول، حيث يدعي بعض الشباب انهم ينحدرون من مكان بعيد وجؤوا لمدينة مراكش بحثا عن عمل لمساعدة ذويهم الفقراء غير أنهم تعرضوا للسرقة بمجرد أن وطأت أقدامهم المحطة الطرقية « بباب دكالة »، يعمد هؤلاء الشباب المتسولون إلى سرد فصول هذه الحكاية التي تكاد تكون متطابقة بينهم بتأثر شديد من أجل استدرار عطف المارة لكي ينفحوهم بثمن العودة إلى ديارهم، غير أنه يفتضح أمرهم عندما يعرض عليهم أحد المتطوعين خدمة التوصيل إلى وجهتم المقصودة، حينها يهرولون للتخلص من الموقف المحرج إلى أن ينصرف صاحب الخدمة.

عجوز أخر يلبس لباس أهل البادية ينتقي ضحاياه بعناية وغالبا ما يكونون من أصحاب السيارات الفارهة، يقف بجانب زجاج السيارة بعدما يلقي التحية يحكي بنبرة منخفضة أنه جاء لمدينة مراكش ليزور ابنه المتزوج، وعند وصوله تفاجأ بأن ابنه لم يعد يجيبه على الهاتف، وأنه مفلس ولا يريد سوى سعر تذكرة العودة إلى بيته في البادية…يتبع

التسول المفضي للدعارة 

بوجه جميل ولباس تقليدي أنيق ومثير، تقف شابتان على رصيف شارع محمد الخامس تترصدان أهدافهما من الرجال الميسورين ذوي السيارات الجميلة، فعندما يتوقف أحدهم يترصدانه وتمشيان أمامه بغنج، وبمجرد ما يبادر بالكلام تستجيبان، وان تردد يبادرانه بقول إحداهما: « خويا عافاك تعاون معايا انا وصحبتي »، وحينما يحاول الرجل أن يجد دراهم بسيارته ليعطيها لهم حتى تتبادر الأخرى بالقول « تهلا فينا باش نتهلاو فيه » وترفق كلامها بابتسامة عريضة قد تكون الطعم الناجح لاصطياد هذا الرجل.

في السياق ذاته قد يصادف المارة بشوارع مراكش سيدتان مسنتان تقف وراءهما شابتان جميلتان بلباس عصري مثير، يمشين جماعة في الأماكن العامة، يترصدن هدفهن بعناية، فتبادر إحدى المسنات بالتلويح بيدها له وهي تقول « سمح ليا أولدي نسولك الله يرضي عليك »، فيقف الشاب ليتفاجأ بأن السيدة تطلب منه ثمن أربع تذاكر لحافلة النقل الحضري، فإذا استجاب يأخذن المال ويدعون له باليسر والبركات، وان لم يستجب تقول له الأخرى « شوف أولدي حتى ايلا بغيتي شي مقابل على الفلوس الي بغيتي تعطينا مرحبا غير أمر »، فينتقل التسول إلى التفاوض على ليلة حمراء.

متسولون أغنياء

مسن ذو جلباب أزرق وشعر غزاه الشيب يتجول بين أزقة وشوارع مراكش، يتوسل المارة بأن يعينوه على مصاريف إعالة أبنائه الصغار، يتفاعل معه المارة بشكل كبير لما يظهر على محياه من سمات الوقار، غير أنه من خلال تتبعنا لهذا الشخص تبين أنه متسول محترف من طراز « VIP »، إذ يملك بيتا فاخرا عبارة عن « فيلا » غير بعيد عن الدائرة الأمنية 14..يرفل مع أبنائه في رفاهية، وأسرت مصادر الجريدة أنه راكم جزء كبيرا من ثروته عن طريق التسول.

الأستاذ حسن الكصاب: « معالجة التسول اعتمادا على المقاربة القانونية لم يُجدي نفعا »

لمعرفة رأي المشرع المغربي بخصوص ظاهرة التسول، انفتحنا على الأستاذ حسن الكصاب المحامي بهيئة مراكش الذي أشار أن المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة، لم يحدد تعريفا للظاهرة وإنما اكتفى بالأسباب والعناصر المشكلة لجنحة التسول والتشرد، وكذلك الجزاءات المقررة لمعاقبة الجناة والحد من الظاهرة، فحدد المشرع العقوبات في الفصول من 327 إلى 333 من القانون الجنائي، موضحا حجم الفراغ القانوني وعدم مواكبة المشرع المغربي للتطور الذي عرفته الظاهرة.

وأكد الأستاذ حسن الكصاب أن معالجة الظاهرة بالاعتماد على المقاربة القانونية لم يجدي نفعا نظرا لكونها أصبحت تدر مبالغ مهمة على ممتهنيها فضلا عن ارتفاع حالات العود والملفات المعروضة عن القضاء.

وأضاف المتحدث ذاته انه لمعالجة الظاهرة بشكل جدري أصبح من الضروري اعتماد العمل المشترك بين كافة القطاعات، وتأهيل المراكز الاجتماعية، ومراكز الإيواء والاهتمام أكثر بالمجال الإعلامي قصد التحسيس و التعريف بخطورة الظاهرة.

مهنيون في القطاع السياحي على أعتاب التسول 

أثرت حالة الطوارئ الصحية، والإغلاق الشامل للحدود الجوية والبحرية الذي عرفته بلادنا اواخر شهر مارس من السنة الفارطة إثر تفشي جائحة كورونا، على الحركة الاقتصادية بالبلاد عامة ومراكش خاصة، فالقطاع السياحي هو المحرك الرئيسي للاقتصاد بالمدينة الحمراء، حيث عرفت شللا تاما بعد إغلاق المطارات وتشديد التنقل بين المدن، مما أدى إلى فقدان شريحة مهمة من المهنيين السياحيين لعملهم، حيث بلغ عدد الأسر التي يعيلها القطاع السياحي سنة 2017 الى 64559 أسرة حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط في أبريل 2017، وهذا الرقم عرف تزايدا كبيرا خلال السنوات الماضية رغم غياب إحصائيات دقيقة، فمن بين هذه الأسر العاملة بهذا القطاع من استفادت من الدعم المقدم من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومنها من لم يستفد بحكم عدم التصريح به لدى هذه المؤسسة، وهنا مكمن الخلل، حيث التجأت الشريحة غير المستفيدة إلى عدة طرق لسد حاجتها اليومية من المأكل والمشرب والسكن، والتسول من بين هذه الطرق التي لجأت إليها، فهناك من سد حاجته وتراجع عن التسول عندما خففت الحكومة من تدابير حالة الطوارئ الصحية وتأت له فرصة توفير حاجياته، وهناك من وجد فيه الملاذ الأمن والدخل المهم للربح فاتخذوه مهنة لهم، مما أدى الى تزايد أعداد مهمة من المتسولين الجدد، الذين خدشوا الوجه الجميل للمدينة الحمراء.

 

اخر الأخبار :