رهان دولة الكويت على الإصلاح السياسي والدستوري أمام التحديات الإقليمية
1741 مشاهدة
تتجه دولة الكويت لإعلان نظامها مملكة دستورية، بعد أن حل أمير البلاد يوم أمس مجلس الأمة وعطّل بعض بنود الدستور.
ويفرض هذا التوجه رهانات داخلية لتثبيت الحكم وحصر انتقاله في سلالة آل الصباح من صلب الأمير الحالي صاحب السمو الشيخ مشعل، وتحديث الممارسة الديمقراطية بما يتوافق مع أسلوب الحكم في العهد الجديد الذي لا شك يستوحي نموذجه من الشقيقة الكبرى في أسلوب التخطيط لتشبيب القيادات.
كما فرضته تحديات خارجية في مواجهة أطماع بلدان الجوار في ثروات ومقدرات الكويت الواقعة تحت طلب قروض دون فوائد بفترات إمهال طويلة لاستثمارات كبرى يرفض المقترض ان يكون الممول شريكا فيها.
وللكويت سوابق جرَّتْ حساباتها السياسية فيها، وتجاذبُ المواقف المتصارعة بين مؤسسات الحكم، على الشعب الكويتي وبلاده منذ إقرار أول دستور في البلاد مطلع ستينيات القرن الماضي، مشاكلَ داخليةً وخارجية ما تفتأ تتطور وتستفحل في ظل جفاف العلاقة بين الجهاز التنفيذي ومجلس الأمة .
وإن الغزو الغاشم بالأمس القريب لجيوش صدام حسين لهو أقوى درس يمكن الاستفادة منه عند استحضار أسبابه ومسبباته وتجنب التداعيات الناشئة عنه والتي ما تزال تتفاعل وتجد الكويت نفسها مطوقة إزاء حرب التحرير وتكاليفها العسكرية بالتسديد مرة وبالمن المستتبع بالابتزاز السياسي والدبلوماسي والمالي مرات كثيرة وعديدة.
وما أشبه اليوم بالبارحة، هذا اليوم الذي ضاق فيه التمويل عن مشاريع طموحة للعصرنة والتحديث في شمال الجزيرة وفي استثمارات سياحية وعمرانية غير مسبوقة في دولة كانت السياحة بالنسبة لها غير ذات أولوية وعينها على الصناديق السيادية لدولة الكويت ومدخراتها التي في ظروف الحاجة إليها وجب التحويل والدفع بلا حساب ودون تفكير فذاك إنما هو اعتراف بالجميل وإما فهو رد الدين وتسديد لتكاليف مدفوعة إبان حرب التحرير وما قبلها؛ والبارحة التي كان على الكويت دفع فواتير ثماني سنوات من الحرب بين النظام البائد في العراق والحكم الصفوي في إيران.
تختلف السياقات والمبدأ واحد، ولا شيئ تغير في الكويت سوى أن أمير البلاد الذي تسلم مقاليد الحكم في ظرفية دولية وإقليمية متوترة بسخونة زائدة تنذر بتحولات في النظام العالمي، وقد خبر الشؤون الداخلية على الصعيد الأمني والمخابراتي منذ وقت مبكر، تَفَطَّن إلى أهمية الحاجة في هذا الوقت لشخصية مساعدة بذات خبرته الواسعة في الشؤون الخارجية متمرسة ولها نفوذ في مراكز القرار الدولي والوطني سواء لدى بلدان الجوار أو في الدول العظمى والأخرى المؤثرة والمؤسسات ذات النفوذ السياسي والاقتصادي.
ولم يكن مجلس الأمة على قدر مستوى إدراك رئيس الدولة لموقعة الكويت الجديدة لتحصين المكاسب الإقليمية والدولية على المستوى الجيوسياسي والعمل على استرجاع الموقع الريادي لدولة الكويت في منطقة الخليج والشرق الاوسط على صعيد الممارسة الديموقراطية المسنودة بالدستور والمؤسسات التمثيلية وبأفق واسع من الحريات الفردية والجماعية إن على صعيد الرأي والنشر وإن على صعيد المجتمع في كل ما يهم نشاطه اليومي.
وستكون الأربع سنوات التي قدرها الشيخ مشعل لإنهاء حالة الاستثناء كافية لإجراء مشاورات موسعة من أجل إصلاح دستوري يضمن التوازن بين المؤسسات بصيغة لا تعطل سير المرفق العام ولا تحبط جهود الدولة في المشاريع والبرامج ذات الأبعاد الاستراتيجية في السياسات الداخلية او الخارجية، وتكفل جميع الحقوق كما تقرها المواثيق الأممية والعهود الدولية لحقوق الإنسان وتحقق النماء والرخاء للشعب الكويتي دون تحيز يجعل المواطنة امتيازا.
كما ستكون الأربع سنوات حجة كلما تعين وتوجب في مواجهة ضغوط الابتزاز من مختلف الجهات في المنطقة وخارجها، أن القرار الذي يرهن اقتصاد الكويت أو سيادتها ويلزمها على أمد طويل أو متوسط لا يمكن اتخاذه من سلطة منفردة وحيدة غير مؤطرة دستوريا وفي غياب تمثيلية للشعب من خلال برلمان منتخب.
غير ان هذه الأربع ليست تكفي دونما حكم رشيد بنخبة الشيوخ الذين خبروا دهاليز السياسة ومسكوا بخيط الشرق الأوسط والخليج عند نسجها في خريطتها الحالية وكما يخطط لها ان تكون في المستقبل ضمن مشروع تصالحي يتم فيه إعادة تشكيل موازين القوى لا اعتبار فيه للجغرافيا ومساحة الارض ولا للخطاب غير القابل ان يكون ممارسة واقعية قدر ما تكون القوة للذي ينخرط في هذا المشروع التصالحي بإرادة سيادية ولكن بروح بناءة تجعل المصالح الوطنية بالأولوية وعلى نفس الدرجة مع مصالح الشركاء في إطار رابح- رابح.
وهذا الرهان يوقف رئيس الدولة على تعيين مستعجل لولي عهد بمقومات الرصيد السياسي والدبلوماسي من وزن ثقيل وبكفاءة عالية معرفية وعلمية ودهاء وذكاء تعززهما النباهة وسرعة البديهة ثم تعيين رئيس مجلس الوزراء من نفس الفئة حريص على تشكيل حكومته على أساس قدرة أعضائها المرشحين للوزارة على تنفيذ مخططات البرامج الحكومية المقررة.
كما يوقفه على التحسب لمواقف الأشقاء في المنطقة من الاصلاحات الدستورية والسياسية المرتقبة في ضوء التجارب التي راكمتها دولة الكويت في الديمقراطية التمثيلية وفي حرية الصحافة والبناء المؤسساتي وسن القوانين والدستور مما لم يكن متهيئا لدول في المنطقة كان يسوؤها النموذج الديمقراطي في الجوار لدولة الكويت مقصدا للصحفيين والكتاب والمثقفين المرفوضين لآرائهم في بلدانهم.
ولن تغفل القيادة السياسية في الكويت عن هذا المعطى الذي واجه النظام القائم منذ استقلال الكويت وطفرة البترول، وقابله حكامها بتحدٍّ فيه كثير من الحكمة والرشد مع الصبر والحصافة في اتزان واعتدال، وما تزال الكويت لهذا السبب شوكة في حلق أنظمة ثيوقراطية استبدادية ما أغنتها البروباغندا السياسية والإعلامية عن تاريخها المظلم لا يضاء سوى بالديمقراطية وبالنظام البرلماني وصناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة شفافة.
فهل ستربح الكويت الجديدة رهان الإصلاح السياسي والدستوري في تطوير لتجربتها البرلمانية وتحديث لمؤسساتها يضمن من خلالها الشعب الكويتي التمتع بكامل حرياته ضمن مناخ إقليمي ما يزال حيِّزُ الحرية فيه ضيقا جدا أم سيضطر الساسة في الكويت الى العمل بالمثل المشهور » اعمل مثلما يعمل جارك او غيِّر باب دارك »؟؟!