خسارة وطنية لامرأة جاد بها القرن العشرين وستضن بها قرون… الحمداوية رحمك الله
1826 مشاهدة
موت الحمداوية خسارة وطنية، لخامة صوتية حافظت على صفائها ونقائها وطبقاتها… رغم ترهل الجسد مع سنوات العمر؛
ظلت حبال حنجرتها مشدودة كالطبل نقرة ويدَوّي، تصدح بالصدى الذي يأسر الوجدان طربا تهفو إليه النفوس تَعُبُّ منه مشاعر الوِجد وتطفئ به لظى الصبابة وتَسبَتُ بعد لوعة وسهاد…
صوت الحمداوية كان بحرا هادرا بالدفء الذي يدثر برودة الإحساس بنبض القلب، وكان بارقة غيث مسافر في رحلة لا تضع حقائبها، ينشر الحب رقصا وبهجة ويزف العشق أعراسا.
كان يكون للحمداوية شأن عالمي مثل أساطين الطرب الذين جاد الزمان بهم في حصر على قلة عبر الكون ولكن « العيطة »قضبان حبستها في سجن محلي كبير ضاق رغم شساعته أن يسع خامة صوتها المغبون في الغناء الشعبي والعيطة التراثية…
وقدر الحمداوية في حياتها كقدر صوتها، ما أنصفه الدهر الذي أباح رغدا للحناجر المبحوحة والمسكوكة كالخناجر المشحوذة التي تغرس النصل في الوصل تميت كل إحساس دون الردفين اللذين في صخبهما يبقيان كالثملان يتمايلان.
فلم تستبق الحاجة الحمداوية أجلها غير أن جيلا كما وطنا ضاع فيها ردحا من زمن انزوت فيه بمدينة طنجة إلى إهمال ونسيان ونكران… حتى كانت لفتة مولوية سامية فضل صقل معدن لايصدأ وإعادته من متحف التاريخ إلى الحياة ليتنافس في سوق بخست للأسف في رواجه الحناجر الماسية والخامات الصوتية الفطرية.
تسعون حولا من عمرٍ ما مضى منه سوى عقدين، كانت فيهم الحمداوية نجما يزري بكل ضياء من حوله، وما عسى هذا الضياء ينير لو تحرر من محلية الغناء الشعبي وإسار « العيطة »وانطلق في استثمار فني للأغنية العربية والطرب الأصيل ووجدت من يرعى خامة الصوت من فطاحل اللحن الموسيقي المغربي والعربي… لا شك أن شأنها لن يقل عن شأن معالم الغناء والطرب العالميين.
ولا شك سينتكس العلم وسيعلن الحداد يوم الموت الذي لا يفنى فيه غير الجسد.
رحمك الله الحاجة الحمداوية وأسعدك في دار البقاء كما أسعدتنا وأسعدت أجيالا بفنك وبصوتك وبغنائك.