تأملات حول مقال « حزن عميق على المدرسة » لمحمد الكحص

- سليم لواحي
- 1013 مشاهدة
طرح مقال محمد الكحص، « حزن عميق على المدرسة المنشور على ميديا 24، تساؤلات جوهرية حول وضعية المدرسة العمومية المغربية، محذرًا من القرارات السياسية والاقتصادية التي ساهمت في تراجعها. تحليله الناقد، الممزوج بشعور من الأسى والخيبة، يسلط الضوء على أزمة عميقة: تلك الخاصة بمؤسسة يفترض أن تكون رافعة للرقي الاجتماعي، لكنها أصبحت اليوم تعكس فشلًا في أداء رسالتها الأساسية.
المدرسة في أزمة: عرض لمشكلة أعمق
يشير محمد الكحص إلى واقع لا يمكن إنكاره: لقد خضعت المدرسة العمومية لسلسلة من التجارب العشوائية والإصلاحات غير المدروسة، التي تم إملاؤها في كثير من الأحيان باعتبارات اقتصادية أكثر منها بيداغوجية. هذا الاتجاه لا يقتصر على المغرب فقط، بل يعكس ظاهرة عالمية حيث يتم تصميم التعليم وفقًا لمتطلبات سوق العمل، بدلًا من التركيز على بناء قدرات الأفراد معرفيًا وإنسانيًا. في المغرب، أدى ذلك إلى منظومة تتسم بعدم الاستقرار، حيث تراجعت الأسس الأساسية للتعليم – القراءة، الكتابة، الحساب، والتفكير النقدي.
ومن أقوى الأفكار التي طرحها الأستاذ محمد الكحص في مقاله هو التأكيد على المدرسة كملاذ للمعرفة. بعيدًا عن النماذج النيوليبرالية التي تختزلها في مجرد مصنع لإنتاج العمالة، يذكرنا بأن المدرسة يجب أن تظل فضاءً لاكتساب المعرفة بشكل متكافئ، بغض النظر عن الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية للمتعلمين. لهذا السبب، يدعو إلى إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية الموحدة والجيدة، وهو حلم يبدو أنه يتلاشى شيئًا فشيئًا أمام تزايد الفجوة بين التعليم العمومي والخاص.
ضرورة إعادة الاعتبار للمعلم والبيداغوجيا
من بين القضايا الجوهرية التي يطرحها المقال مسألة المعلم، وهو حجر الأساس في أي نظام تعليمي ناجح. للأسف، فإن وضعية المدرسين في المغرب تدهورت مع مرور الزمن، سواء من حيث التكوين أو الاعتراف بأدوارهم المركزية. في حين أن أي إصلاح تعليمي ناجح يجب أن يعتمد أساسًا على الاستثمار في تكوين وتأهيل وتحفيز المدرسين، نجد أن السياسات المتبعة غالبًا ما تهمشهم وتجعلهم عرضة لظروف عمل غير مستقرة.
وهنا يبرز التساؤل: هل نحن مستعدون للاستثمار في العنصر البشري بدل اللجوء إلى الحلول التقنية والتكنوقراطية؟ فرغم أهمية الرقمنة والمناهج الحديثة، فإنها لن تكون ذات جدوى حقيقية ما لم تكن هناك كفاءات تعليمية مؤهلة قادرة على تفعيلها بالشكل الصحيح.
صحوة ضرورية
لا يكتفي الكحص بتقديم صورة قاتمة عن الوضع، بل يطلق نداءً مستعجلًا لإعادة التفكير جذريًا في مستقبل التعليم العمومي بالمغرب. إن دعوته إلى إصلاح حقيقي يجعل من المدرسة العمومية فضاءً موحدًا للجميع هو بمثابة تحذير من أن استمرار التدهور الحالي سيؤدي إلى تعميق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية. فخصخصة التعليم، التي تبدو كحل في نظر البعض، لن تؤدي إلا إلى إقصاء المزيد من الفئات غير القادرة على تحمل تكاليف التعليم الخاص.
في نهاية المطاف، يثير مقال « حزن عميق على المدرسة » سؤالًا محوريًا يتجاوز الإطار التعليمي: أي مجتمع نريد أن نبني؟ هل نطمح إلى مجتمع يعتبر التعليم حقًا مكفولًا للجميع وأداة لتحقيق المساواة، أم سنقبل بأن يصبح التعليم امتيازًا متاحًا فقط لمن يملكون المال؟
إذا كنا نريد مدرسة قادرة على تكوين مواطنين أحرار، ناقدين، ومؤهلين لخوض غمار الحياة، فإن الجواب واضح: حان الوقت للخروج من منطق الحلول المؤقتة، والانخراط في مشروع حقيقي لإصلاح التعليم العمومي المغربي.