برنامج إعادة الإعمار.. تحدي جديد من أجل المحافظة وصيانة غنى التراث المغربي

1704 مشاهدة

برنامج إعادة الإعمار.. تحدي جديد من أجل المحافظة وصيانة غنى التراث المغربي

 

أعلن المغرب عن خطة بميزانية 12 مليار دولار، يراد منها إعادة الإعمار وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب المملكة، وتستهدف ساكنة تبلغ 4.2 ملايين نسمة في ستة أقاليم وعمالة، هي مراكش والحوز وتارودانت وأزيلال وشيشاوة وورزازات.

ويهدف البرنامج، الذي سيمتد على خمس سنوات، من جهة، إلى إعادة بناء المساكن وتأهيل البنى التحتية المتضررة، طبقاً للتدابير الاستعجالية، ومن جهة أخرى، تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المستهدفة.

وأوضح لموقع « مراكش 7″، باحث في مجال الهندسة المعمارية أن هناك حاليا تفكير على مستويات مختلفة، خاصة القطاعات المعنية بإعادة الإعمار حول الطريقة والمراحل، مشيرا أن الجواب على تساؤل « الكيفية » من شأنه أن يهيئ خارطة طريق توضح وتسلسل المراحل التطبيقية للعملية، وهذا الجواب مرتبط أساسا بالمنتوج الأصلي لهذه التجمعات، « هل يجب التعامل معه كموروث حضاري لآلاف السنين أم لا؟ ».

وقد أكد الأستاذ بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش أن الجواب عند أهل الاختصاص لا يتطلب الكثير من التفكير، فهو تراث وجب إعادة الاعتبار إليه ولا يمكن أن يعوضه أي عمل غير الأصلي مهما علت ميزته الفنية والمعمارية، لأن سياق التعامل حول التراث هو الحفاظ عليه وليس إنتاج ما هو أحسن منه (حسب ما يمكن أن يعتقد)، ومن هذا الاعتبار يبدأ التصور التطبيقي للعملية، حيث يصبح الهدف المعماري المنشود هو إعادة التجمعات إلى الحالة الأصلية مع مراعاة عدة عوامل، من أهمها جعل التجمعات مضادة للزلازل ومراعاة الجانب الصحي وتوفير التجهيزات الضرورية وطرح تصور استباقي للتطور العمراني لكل تجمع جبلي بالتشاور مع السكان المعنيين لما لديهم من خبرات موروثة لنمط حياة معين.

عامل تقني وعامل صحي

يتمثل العاملان الأساسيان في استراتيجية تنزيل برنامج إعادة البناء والإعمار في المناطق المتضررة من الزلزال (الحوز نموذجا)، أولا في الشق التقني والذي يجب فيه مراعاة بناء منازل وبيوت مضادة للزلازل، وبوضوح الهدف تتبين مسالك البرنامج والأولويات، حيث تصبح الأولوية لرفع وإخلاء جميع ما تهدم من كل التجمعات السكنية، وهو ما سيمكن المهندسين المعماريين من التعرف على جميع البقع الأرضية للمنازل وتحديد معالم تصميماتها الأصلية، وهذا يتطلب تشكيل لجنة مشتركة من مهامها أيضا وضع حلول للإشكالات التي ستعترض عملية إعادة الإعمار.

هذه الأولوية تتطلب بداية فتح الطرق المؤدية إلى التجمعات المتضررة قصد جلب الآلات التي تمكن من تسريع وثيرة إزالة الهدم، وفي هذه المرحلة لا يهم إن كان هذا الهدم صالحا لإعادة الاستعمال أم لا، وهنا يبدأ التحدي الأكبر للمهندسين المعماريين الملزمين بملائمة التصميمات الجديدة بما يطابقها من التصميمات الأصلية، قدر المستطاع، بما لها من أحجام تتداخل وتتدرج في الارتفاع ونوعية الفتحات وأبعادها المختلفة ومواد بناءها، وكذا ملائمة هيكلا مضادا للزلازل بمشاركة فعالة من مكاتب الدراسات.

وخلال فترة إزالة الهدم، سيكون مجديا الشروع في تكوين متطوعين شباب عن كل تجمع سكني مهدم في مواد وطرق البناء الأصلية، الأمر الذي ستكون له عدة نتائج إيجابية في المستقبل، من بينها إعادة الاعتبار وإغناء الموروث الحضاري المغربي.

ويمكن القول إن ميزة المنطقة هي الإنسان والبساطة التي تميزه، الناتجة عن آلاف السنين من التجارب والمعرفة في كيفية التعامل مع الطبيعة المحيطة به، سواء في العمران أو الفلاحة أو غيرها، وعلى سبيل المثال، فإن اختيار أماكن التجمعات في الحوز والأطلس بصفة عامة، يعد إعجازا من عدة نواحي عمرانية، بما يتضمنه ذلك من معرفة في التوجه والتربة ومواد البناء والأحجام إلى غير ذلك، والكل بما يلائم المظهر العام الذي يقدم نموذجا لامكانية تكامل الإنسان مع الطبيعة.

أما العامل الثاني، فله ارتباط بالحياة اليومية للسكان، ويتطلب مراعاة عدة جوانب، من بينها الجانب الصحي وسلامة الأفراد والجانب المرتبط باستغلال الفضاءات والحفاظ على نفس نمط العيش والظروف الحياتية اليومية.

إن خصوصيات المنطقة غنية من الناحية الأنتروبولجية والتقنية، والمنتوج المعماري الإنساني أو الفضاءات الفلاحية والزراعية، كلها تشكل هذا التراث الوطني، وإعادة الإعمار تستوجب احترام هذا التراث، واحترامه يتمثل في إعادة بناءه بشكل بسيط ومتعفف في مجمله.

وعي تام بحجم التحدي

فيما يخص التصور المحدد لتنزيل البرنامج، أكد متحدثنا أنه في مراحل متقدمة، بعدما شارفت عملية إحصاء كم ونوعية الأضرار على الانتهاء، مشيرا أن هناك حقيقة مريحة في هذا الصدد، تتجلى في كون المسؤولين في الإدارة المعنية بإعادة الإعمار وجميع المؤسسات المتدخلة، بصفتهم مغاربة كباقي أبناء هذا الشعب الذي استطاع بجميع أطيافه أن يحول كارثة إلى إنجاز، علاوة على الكفاءة، يدركون بشكل كبير حجم التحدي في العمل على تنزيل البرنامج.

وقد تتعدد تحديات التنفيذ بين ما هو تقني وقانوني وعقاري وغيرها، ومن هذا المنطلق يأتي إحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير لمعالجة مخلفات الزلزال، والتي سيوكل لها حل كل المشاكل التي قد تواجه تنفيذ البرنامج.

وهناك تحديات أخرى قد تكون إشكالات في حد ذاتها ووجب حلها في الوقت الآني، أبرزها نظام التطهير، وهنا يمكن اقتراح نظامين قد يكونان ملائمين بشكل إيجابي، يمكن اختيار أحدهما أو هما معا حسب الحالة، الأول خلق محطات معالجة مياه الصرف الصحي الصغيرة، التي لا تكلف كثيرا ولن تمثل إلا نسبة قليلة من ميزانية بناء الدوار بأكمله، وستسمح أيضا بالمحافظة على الفرشة المائية من خلال استعمال مياهها المعالجة في السقي، أما الخيار الثاني فيكمن في اعتماد نظام « التنقية النباتية » المعتمد في العديد من الدول وأبان عن فعاليته وله مساهمة حتى في الصناعة التقليدية.

ويجب التفكير أيضا في إكراهات اتصال الدواوير في أعالي الجبال مع البيئة المحيطة والمدن المجاورة، مراكش كمثال، لكن التساؤل المحوري يظل حول مبدأ « الأولوية » والتنزيل العملي لها، وهنا يتطلب الاختيار بشكل جيد يصب في صالح المواطن وصالح البلاد ككل.

اخر الأخبار :