العرس المغربي احتفال تقليدي بعقد القران ما يزال يحافظ على موروثه رغم محاولات التحديث
3004 مشاهدة
تحتفل الأسر المغربية بعقد قران أبنائها وبناتها، بإقامة أعراس تقليدية تطبعها طقوس موروثة ما تزال تحافظ على عراقتها رغم محاولات التجديد والتحديث التي أصبحت تميز حفلات الزفاف في الحواضر التي تتباين عادات سكانها في ما يخص تجهيز العروس وتقديمها للمدعوين في حفل العرس الذي يصر سكان مدن شمال المغرب على الفصل في ليالي إحيائه بين النساء والرجال.
سبعة ليال أولها حناء وآخرها دم وهدي
وتتميز أعراس المغرب التي كانت تستمر طيلة سبعة أيام قبل أن يداهم الغلاء الناس وترتفع تكاليف العيش، بحفل الحناء الذي يقام ليلة العرس، وبحفل « الحزام »الذي تقيمه أسرة العروس في الليلة السابعة ليوم الدخلة.
وبين هاتين الليلتين تستمر الاحتفالات على إيقاع الأهازيج والصخب، وفي أجواء الاجتماع على ولائم ما لذ وطاب من لحوم الذبائح والحلويات ومشروب الشاي والقهوة والعصائر.
من التفكيرة…إلى الدهاز
ويبدأ الاستعداد للعرس المغربي، منذ إعلان الخطوبة التي غالبا ما لا يفصلها عن موعد عقد القران وقت طويل يلزم فيه الخطيب مهاداة خطيبته في المناسبات الدينية التي يصادفها الزمن الفاصل (التفكيرة)، حيث تجري العادة أن تؤثث عائلة العروس صالون بيت الزوجية بفراش الصوف مع لوازمه دون المائدة التي تتوسط الصالة والخشب الذي يرفع فوقه الفراش (السدادر) الذي يوكل لمصاريف العريس.
ويجهز العريس غرفة النوم سوى ما تعلق بأغشية المخدات وكساء الفراش والأغطية سواء الصيفية (الشراشف) أو الشتوية (البطانيات) والمنشفات (الفوَط)، وهذه كلها تكون مطرزة بالتطريز المغربي الأصيل (طرز الحساب)، إلا البطانيات فهي منسوجة بالصوف الخالص، والفُوَط قد لا تطرز وإن طرزت فبالمكينة.
وتلزم التقاليد الموروثة، الخاطب المغربي ب (الدهاز) أي الجهاز وهو كسوة العروس التي تتكون من قماش حريري رفيع وحذاء وملابس داخلية ولباس النوم، وزينتها من كل مواد التجميل والعطور إضافة إلى الحلي وهو عبارة عن خاتمي القران وأسورة (النبالة) أو عقد أو حزام ذهبي أو فضي حسب مستوى الانتماء الطبقي للعريسين.
ويقدم (الدهاز) الذي تشترط العادة أن يتضمن زوجين من كل نوع وصنف فيه يختلف شكلهما أو لونهما دون قيمتهما، في أواني مصنوعة من النحاس الصقيل مقببة بأغطية كأنها العمائم فوق الرؤوس مكللة بتيجان صقيلة من نحاس أو لجين تسمى (الطيافر)، وذلك في موكب الحليب والتمر والسكر والحناء والورد والسواك والشموع والبخور، تسير به عائلة العريس من النساء فوق رؤوس الرجال أو على متن عربات مكشوفة مجرورة باليد أو الدواب مع أجواق الموسيقى والغناء الشعبي تجوب به شوارع المدينة وأزقتها إلى بيت العروس في يوم (كمال العطية) وهو يوم عقد القران.
استقبال جهاز العروس في يوم أبراز
وتستقبل عائلة العروس موكب (الدهاز) بالتمر والحليب وفق التقاليد المرعية في هذه المناسبات حيث يكون الحليب باردا محلى منسما بماء الزهر، والتمر ذا جودة عاليا من نوع (المجهول) وهو أرقى ما تثمره الواحات المغربية، محشوا بالجوز أو اللوز مفروما أو غير مفروم، وبالزغاريد والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. يحرص على تنظيم وترتيب هذا الاستقبال في بيت العروس سيدة مختصة تعرف ب (النكَافة).
النكَافة سيدة تتعاطى لمهنة تقديم العروس لمدعوي حفل زفافها، وهي التي تسهر على ترتيب كل ما يتعلق بإبراز العروس في أبهى الحلل وأجمل مظاهر الزينة والبهاء يوم الحفل بالنهار أو الليل، وهي التي أيضا ترافقها صحبة صبياتها يسرن خلفها ممسكات بتلابيب الثوب الذي تمشي به العروس وسط المدعوين بزهو وخيلاء، يزغردن ويهللن.
إن ما يجعل عرسا مغربيا متميزا عن عرس مغربي آخر هو مهارة « النكَافة »وإمكانياتها بما تتوفر عليه من حلي ذهبي خالص ولباس متنوع راق وتجهيز مبهر، وقدرة على تسخير كل ذلك لتتويج العريسين في ليلة زفافهما سلاطين بالتاج والصولة ولا صولجان دون بقية الحاضرين الذين هم أيضا يغالون في الظهور يوم (أبراز) وهو يوم حفل الزفاف الذي تبرز فيه العروس بوجه سافر للمدعوين، في أحسن الصور بأجمل زي وأرقى حلي وأغلى قيمة.
وكانت النكَافة قبل أن تصير الحياة إلى ما صارت إليه من انفتاح وتفتح وعلاقات بين الناس، هي الوحيدة التي تتجرأ على الخوض في ما وراء الحشمة، وتهيئ العريس وعروسه لفراش الزوجية وتضعهما على الطريق الذي يمكنها من تسلم شهادة العذرية على صفحة قماش أبيض ناصع، تعلنه صبيحة يوم الدخلة على الملإ الذين يتقاطرون عليها بالإكراميات ( لغرامة) اعتزازا بالشرف وحفظ العرض من جهة أهل العروس، وفرحا من جهة أهل العريس بتأكيد فحولة الرجولة.
البكر تمد رجليها … ولأول مرة …للحناء
يبدأ العرس المغربي بحفل الحناء، الذي يتم خلاله تخضيب يدي وقدمي العروس بوشم جميل من رسوم وخطوط رفيعة وأشكال هندسية متنوعة تشمل الأصابع والأنامل وراحة اليد ظاهرها وباطنها حتى المعصم، وكذلك القدمين إلى الكعبين، وهي المرة الأولى التي تمد فيها الفتاة المغربية رجليها للحناء، لأنه يعتبر عيبا في تقاليد المغرب أن تخضب البنت العذراء البكر قدميها قبل هذا اليوم.
وتكون العروس في حفل الحناء الذي يحضره على وجه الخصوص قريبات العروس وعائلتها ووالدة العريس وجدتاه وأخواته وعماته وخالاته فقط، محجبة مستورة الوجه بغطاء شفاف اخضر من لون الثوب الذي تتزي به، ويتم في الحفل الإطعام على وجبة الغداء، ويستمر الحفل من العصر حتى العشاء في أجواء بهيجة تنشطها أجواق الموسيقى ويرقص فيها النسوة اللاتي تلزمهن التقاليد المرعية بمباركة حناء العروس بما تجود به أريحيتهن من مال أو مصوغات تكون من نصيب (الحناية) وهي المرأة التي تقوم بالتخضيب.
وحناء العروس التي تتربع في واجهة البيت ناحية القبلة كأنها بدر في ارتقائه أو بحر في عظمته، مخصوصةٌ تحضر بطرق وطقوس خاصة، حيث يخلط مسحوق الحناء الخضراء عوض الماء بماء الزهر، وتوضع الخلطة في إناء من الخزف اللامع (جباّنة) تغرس فيها بيضة، وسط صينية فضية صقيلة محاطة بأواني فيها بخور الخزامى و(سرغينة) و(الحرمل) و(العود) و(الشبة)، ويوضع في الصينية كذلك السكر والحليب والتمر الجاف وشمعة، ومرشات معبأة بماء الزهر.
ويتقدم في هذا الحفل الذي تنظمه عائلة العروس، الفتيات في سن الزواج وكذلك الطفلات والأطفال الصغار للتبرك بهذه الحناء تيمنا ببناء عش الزوجية، وبينما يطوي الأطفال كومة حناء بين أصابعهم في أكفهم، يخضب الطفلات جزءا من يدهن اليمنى أو اليسري. أما النسوة العجائز فيكسين كامل اليدين بالحناء دون رسوم.
حمام العروس: ترطيب الجسم وتنعيم الشعر والتماس البركات لطرد شبح العنوسة
ويسبق يوم حفل الحناء الذي غالبا ما يكون نهار جمعة، ذهاب العروس إلى الحمام في رفقة من بنات عائلتها أو من بعض الجيران لاسيما الفتيات المتطلعات للزواج وهن في سنه، وتستحم العروس وفق طقوس تختلف من منطقة إلى منطقة في المغرب، لكنها جميعا تتحد في الاتفاق على طلاء جسد العروس بما يكسب البشرة ليونة وبياضا، وتسمى هذه الخلطة التي تتكون في الغالب من « النيلة »وهي مسحوق حجر ذي لون أزرق عبارة عن مادة عازلة وبياض البيض وحناء وأعشاب وماء الورد، (الصكَلة). وبعد العوم بهذا الغسول يدهن قوام العروس وجسمها بمادة هي أيضا عبارة عن محلول حجر احمر في ماء الورد هو « العكر الفاسي »ومنه يصنع أحمر الشفاه التقليدي.
أما الشعر فتكون غدائره مُنَعَّمَةً ب »النفْقة »وهي خلطة طيبة دوائية، وصفتها مسحوق حناء وقرنفل مدقوق وماء ورد خالص وزعفران حر، تظفر بخلطته خصلات العروس، « المزوارة »وهي امرأة متزوجة بأمد طويل لم يسبق لها شقاق مع بعلها ومشهود لها بالسعادة في بيت الزوجية.
وفي الحمام يهزج البنات ويرددن أغاني قديمة تسبغ على العروس كل صفات المدح والثناء بالجمال والأناقة والرشاقة والحذاقة، وهن يتسابقن لخدمة العروس يتمسحن بجسدها ويعترض لحمهن الماء المعطر الذي ينهمر من على أعضائها، يمررنه على ذواتهن ملتمسات البركات معتقدات أن هذا التمسح يطرد عنهن شبح العنوسة.
في الهودج لا غلبة للعريس على عروسه
ويوم الحفل وهو الموعد الكبير، يحضر المدعوون في قمة أناقتهم كل بيده ما استطاع من هدية. وقبل أن تحكم الظروف بالاختلاط والمخالطة، كان المجتمع المغربي يقيم العرس نهارا للنساء وليلا للرجال أو يوما للرجال ويوما للنساء.
تخرج العروس على الحضور مكللة بالذهب، ملكة تجر ذيولها من ثوب يخلب الألباب وخلفها الوصيفات صبيات « النكَافة »يهللن بالصلاة على النبي في لازمة يكررنها بالصياح ( لا جاه إلا جاه سيدنا محمد، ألله مع الجاه العالي ) تتلوهن بزغرودات.
تعتلي العروس عرشها ويأتي « السلطان »عريسها إلى جنبها على يمينها في صدر قاعة الحفل، وتبدأ مراسم دخولها وخروجها في كل مرة بلباس جديد زاه كعارضة أزياء، بينما العريس لا يغير ملابسه إلا مرتين أو ثلاثا إحداهن يخرج فيها باللباس المغربي التقليدي.
وتصل اللحظة الخالدة لدى العرسان المغاربة في حفل الزفاف المغربي الذي يولم المدعوون فيه من أرقى مآدب المطبخ المغربي شواءا و(بسطيلة) أو(طاجين) الدجاج البلدي المحمّر ولحم البقر المعسل ب(البرقوق) إضافة إلى الحلو (فواكه الموسم) وتوزع عليهم طيلة الليل صنوف الحلويات مع كؤوس الشاي الأخضر المنعنع، عندما تحمل العروس أولا في هودج ( العمّارية) عبارة عن مائدة يرتقي بها شبان إما من أهلها أو من طاقم « النكَافة »فوق رؤوسهم ويرقصون بها على إيقاعات الطرب الأندلسي، ثم العريس الذي يكون وقت حمله في العمارية اقصر من وقت حمل العروس حتى لا يكون له على عروسه غلبة.
يوم الحزام يوم الإعلان عن بدء الإنجاب
وقبل الفجر ينصرف العريسان وينتظر المدعوون لحظة الحسم التي لا تصل إلا وقد جفت أرياق أهل العروس لاسيما والدتها التي يكون قلبها في معدتها يعتصر بينما أذنها تتحسس بدء صياح « النكَاقة »وصبياتها بالزغاريد وترديد « ألعروسة يالمرْضية هكذا يكون بنات الرجال المحضية (المحروسة) ».
وتستمر أيام العرس لغاية يوم الحزام، وهو اليوم الذي تربط فيه العروس حزامها على بطنها متجاوزة فترة الإحساس بالألم إثر افتضاض البكارة، وفيه تحمل العروس على ظهرها في ما يشبه حمل الطفل على متن أمه، حفنات تمر وفواكه جافة وبيضا مسلوقا وربطة نعنع ومصحفا، وتخرج من البيت وخلفها عائلتها وحماتها وأفراد العائلتين المتصاهرتين وجميعهم يردد « أخرجناك بوتد ورددناك بولد »يقطعن بعض أمتار بعيدا عن البيت ثم يعدن لتصب العروس حمولتها في حجر زوجها، إعلانا ببدء مرحلة الإنجاب.
وأوضحت « النكَافة »المغربية زوهرة التومي في تصريح خاص بنا، أن العرس في المغرب يختلف باختلاف العادات والتقاليد من منطقة إلى أخرى، مؤكدة أن أكثر الطقوس الاحتفالية تعرضت للانقراض بسبب التكاليف الباهظة التي يتطلبها الوفاء لها إضافة إلى عامل الزمن الذي لم يعد يسعف المجتمع على إقامة احتفالات العرس طيلة سبعة أيام.
إصرار على إحياء العرس وتمسك بالتقاليد والموروث
وقالت إن العرس المغربي يتميز بطابعه الاحتفالي وبتنوع فقراته، مبرزة أنه رغم ارتفاع تكاليف إقامته ما تزال الأسر المغربية تصر على إحيائه وفق النموذج الموروث مع بعض التعديلات التي فرضها العصر وتطلبتها الحداثة.
وأكدت زوهرة التومي أن المغاربة استغنوا عن بعض مشمولات العرس المغربي التقليدي لكنهم متشبتون بثوابته لاسيما ظهور العروسة ب « المسلكة »وهي (اللبسة الكبيرة) التي تصنع وتطرز في فاس بسبائك الذهب والفضة، متوجة بتاج الذهب ومطوقة بالقلادة الكبرى مجنحة الرأس كأنها ملكة فرعونية، وكذلك اعتلاء العمارية والتحميل على المائدة.
وأشارت إلى أن عناصر التحديث التي تم إدخالها على احتفالات الزفاف المغربي، لم تفقده جاذبيته الحضارية والتاريخية، وأن بعض العادات التي تم التخلي عنها أو إهمالها من قبيل الإشهاد على العذرية والاحتفال بالحزام وغيره، حلت محلها قيم احتفالية مستوردة ككعكعة الزفاف والمبيت ليلة الدخلة في فندق فخم ولبس كساء العروس الأوربية والاقتصار على يوم واحد صباحه يقام فيه حفل الحناء وليله تنظم فيه ليلة العرس.