التفكير الذكوري في المجتمعات العربية بين سيطرة الغريزة وتهميش العقل
1072 مشاهدة
عبد الباقي البوجمعاوي
بينما كنت أتصفح موقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك » شاهدت مقطع فيديو حول المنتخب المغربي لكرة القدم ضد نظيره افريقيا الوسطى استمتعت بمشاهدته وقررت أن أُلقي نظرة على التعليقات كانت المفاجأة حين رأيت كيف انقسم الناس في النقاش بعيدا كل البعد عن الحقل الرياضي: بعض الجزائريين كانوا يسبّون ويمجدون بلدهم، بينما كان البعض الآخر، خصوصًا من العراقيين، يحاولون تهدئة النقاش بتذكير الجميع أننا « كلنا إخوة »، ولا فرق بين مغربي وجزائري أو سني وشيعي. وسط هذه المناوشات، دخلت تعليق من سعودي يقول: « لعنة الله على الشيعة، أنتم إخوان الشياطين »، مما زاد من حدة الجدال وأزم الصراع
وفي غمر هذا الصراع الإيديولوجي العقيم و العنيف، دخلت فتاة سورية بتعليق بسيط: « هاي أحبابي، شو أخباركم؟ » فجأة توقف النقاش السياسي والديني. الكل تجاهل الصراع الذي كان مشتعلًا منذ لحظات وكأن شيء لم يكن وأصبح الجميع يتوددون للفتاة يسألون عن حالها ويتبادلون عبارات المجاملة، كأن الصراعات التي كانت تمزقهم قبل دقائق لم تكن موجودة.
هذا التغيير المفاجئ في مسار النقاش يعكس مشكلة أعمق في العقلية الذكورية، وبالخصوص العقل الذكوري العربي. فكيف يمكن لنقاش جاد أن يتحول بهذه السهولة إلى مجاملات حول جمال الفتاة وجاذبيتها؟ هذه الواقعة البسيطة توجه الانظار على نقطة مهمة: المرأة ليست فقط قادرة على توحيد الأمة كما أظهرت هذه الحالة بل يمكنها أيضًا أن تكون سببًا لتشتتها، اعتمادًا على الطريقة التي يُنظر بها إليها من قبل الرجل. بناءً على هذه الواقعة، سنقوم بتحليل هذه الظاهرة من منظور فكري وفلسف، لفهم كيفية تأثير المرأة على توحيد وتشتت المجتمعات العربية.
العقل الذكوري العربي: الغلبة للجنس وضعف التحليل
القصة التي ذكرناها تبرز ضعفًا واضحًا في العقل الذكوري العربي الذي غالبًا ما ينجذب بسرعة إلى مظاهر سطحية على حساب القضايا الاهم فقد بدأ النقاش حول موضوع رياضي يتعلق بالوطنية والمنتخب ولكنه انحرف إلى صراعات أيديولوجية ودينية ثم مع ظهور العنصر الأنثوي تحولت كل النقاشات الجادة إلى التفاعل مع الفتاة، ونسى الجميع القضية الأصلية هذا السلوك يعكس مدى تركيز الذكر العربي على الجنس والجاذبية الجسدية(الجنسية) أكثر من الانشغال بحلول القضايا التي تواجه الأمة
في الثقافة العربية نجد أن النظام الاجتماعي ، الديني وكذلك السياسي لعب دورًا في تشكيل العقل الذكوري، حيث يتم دس الرجل منذ صباه أن المرأة مرتبطة بمفاهيم الشرف والجسد، مما أدى إلى حصر اهتمامه على الجنس والجاذبية الجسدية. هذه الثقافة تجعل الرجل ينجر بسرعة نحو تفاعلات غير عقلانية كلما دخل عنصر أنثوي في المعادلة، كما حدث في النقاش المشار إليه. هكذا يتحول التركيز من الحوار الفكري إلى محاولات للتودد للمرأة أو جذب انتباهها،
ما يعكس ضعفًا في القدرة على التركيز على القضايا الكبرى
المرأة: عامل توحيد أو تشتت للأمة
المرأة في المجتمع العربي يمكن أن تكون عاملًا موحدًا للأمة أو سببًا لتشتتها، بناءً على الطريقة التي يتم التعامل معها في المطرحات العامة. إذا تم التعامل مع المرأة ككيان إنساني مستقل يمتلك العقل والفكر، يمكن لها أن تكون مصدرًا للإلهام والتغيير الإيجابي في المجتمع، وتعزز من قيم الوحدة والتعاون بين أفراد الأمة. المرأة، حينما تُمنح لها الفرصة للاندماج في النقاشات الفكرية والسياسية بطريقة عادلة، يمكن أن تكون جسرًا لتوحيد الفئات المختلفة
لكن في ظل العقلية الذكورية التي تسيطر على المجتمع العربي، حيث يتم التركيز فقط على الجسد كألة للجنس، يمكن للمرأة أن تصبح سببًا لتشتت الأمة. فالتركيز السطحي على الجمال والجاذبية يؤدي إلى تجاهل القضايا الحقيقية، مما يجعل الأمة تنشغل بالصراعات الشخصية والسطحية بدلًا من البحث عن حلول للقضايا الكبرى. في القصة، بمجرد دخول الفتاة في النقاش، تلاشت كل الحروب الإيديولوجية والسياسية، وركز الجميع على الفتاة وعلى توددهم لها، مما يعكس انشغالًا سطحيًا قد يؤدي إلى تشتت الأمة وتجاهل التحديات الحقيقية
الجنس والعقل الذكوري: عائق أمام الوحدة
العقل الذكوري العربي، كما أشرنا سابقًا، مهيمن عليه مفهوم الجنس كعامل محوري في تفكيره وتفاعله مع الآخرين. هذه النظرة تجعل من الصعب على العربي أن يتفاعل مع المرأة على مستوى فكري أو اجتماعي عادل مما يعيق تقدم النقاشات البناءة. بدلًا من أن يرى الرجل المرأة كشريك له في بناء الأمة، يراها فقط من خلال منظور شكلي وهذا يؤدي إلى تشييئها وتهميش دورها الحقيقي في المجتمع.
في سياق الأمة، هذا النوع من التفكير يمكن أن يكون مدمِّرًا. فحينما ينشغل الرجال بالصراعات حول النساء أو يتنافسون لجذب انتباههن بناءً على الجاذبية الجنسية يضيع الوقت والجهد في مواضيع غيرأساسية إذا استمر العقل العربي في تركيزه على الجنس كعنصر العقل الذكوري العربي سيظل عالقًا في دوامة التشتت والانقسام، حيث تنقسم الأمة بين أولويات سطحية ومنافسات بدلًا من التركيز على امور ذو قضايا مهمة
الحاجة إلى إعادة بناء العقل العربي
لتجاوز هذا الضعف في التفكير العقيم ربما ، من الضروري إعادة بناء العقل العربي بطريقة تحرره من الهوس بالجنس والجسد، وتوجهه نحو التفكير بطريقة واسلوب تحليلي. إعادة بناء هذه العقلية يمكن أن تمكن الأمة من التركيز على القضايا الحقيقية التي تواجهها وتوحيد جهودها حول أهداف مشتركة.
المرأة في هذه المعادلة يجب أن تكون شريكًا ا مجرد جسد يتم تودده أو التغزل به. إذا استطعنا أن نغير الطريقة التي يفكر بها العقل الذكوري الشهواني فقط في التعامل مع المرأة، يمكن أن تصبح المرأة عاملًا قويًا لتوحيد الأمة، بدلًا من أن تكون مصدرًا للتشتت والصراعات السطحية.