التبول في الشارع واقع مشهود لا يحتاج صورة صحفية للإدانة به

التبول في الشارع واقع مشهود لا يحتاج صورة صحفية للإدانة به

أيقظ ماراثون مراكش في دورته الأخيرة، وعي المواطنين بأهمية المراحيض العمومية في شوارع مدننا التي كان تشييدها مطلبا ملحا تجاهلته مؤسساتنا المنتخبة التي تدبر الشأن المحلي كأنما الحق الطبيعي للإنسان ليس أولوية في السياسات العمومية لبلادنا.

ولا وزر على منظمي ماراثون مراكش الدولي، في كل ما تناقلته وسائل الإعلام والمواقع الصحفية من مشاهد ليس فيها ما يدعو للغرابة من رياضيين ومتسابقين يتبولون على الجدران وأمام المرأى العام على عادة المألوف المعتاد في مدن المغرب.

لم تكن الحاجة إلى فطنة مصور واصطياد خبر من صورة التبول والتغوط الجماعي لتقوم قائمة كل هذا اللغط الذي لم يزكم أنوف مَنْ بحَّتْ حناجرُهم وجفَّت أقلامُهم من اللغو فيه، رائحة الخراء والبول في حدائقنا التي لم نعد نفرق بينها وبين المزابل، وعلى مدى أسوار تاريخنا وما عاد عابِقاً بحضارة الأمة قَدْرَ ما ينطق بفرْث البطون من فضلات جيل لا يَمْتَنُّ لتاريخ شعبه سوى بما يرُشُّ على حصونه من نجاسة ما تحت سرواله.

فمنذ عصورنا القديمة كانت بيوت الخلاء في جوار مساجدنا أقل من أرضيتها في مواضع السجود بدرجة جهة الشمال او الجنوب خلاف القبلة، وكان الاستعمار وفيا لحاجة المسلمين للطهارة والوضوء فشيد في الأحياء الحديثة مراحيض عمومية بالأداء ومن دونه ما تزال مآثرها وَشْماً في ذاكرة المدن المغربية قبل ان يطمرها الاستقلال.

كثير من المراحيض العمومية في المدن المغربية طمرتها المجالس المحلية أو أحالتها إلى مرافق غير صحية تم تفويتها في إطار مصالح فئوية انتخابوية لجماعات الريع تستغلها لأنشطة تجارية.

في مراكش ليس منظمو المهرجان مسؤولين عن مراحيض عمومية كثيرة أقبرتها المجالس الجماعية المتعاقبة في ساحتي الحرية وعبد المؤمن بشارع محمد الخامس، وليسوا مسؤولين عن مراحيض أخرى في الأحياء العتيقة بباب دكالة والزاوية العباسية والأسواق التجارية داخل الأسوار.

ويشق توفير مراحيض متنقلة لأكثر من 15 ألف مشارك في سباق الماراثون بإمكانيات ذاتية في غياب دعم الشركاء الذين تقع على عاتقهم مسؤوليات تنظيف المدينة والمحافظة على طهارتها وصون الحقوق الطبيعية للمواطنين والساكنة ولزوار المدينة، فلا لوم على الجهة المنظمة للسباق ولا على أي جهة مماثلة في تظاهرة تحتضنها مدننا.

وليست الحاجة في كل مرة لصفع مسؤول أو لتدخل مباشر من رئيس الدولة في شأن محلي، حتى يتيقظ الوعي أو تتنبه الإدارة إلى واجباتها وما تفرضه الحقوق من التزامات نحوها من مثل ما سارت به الركبان في الصحافة الدولية عن شعب يتبول على الجدران في دولة لها جاه ولها سلطان أن عمرها ثلاثمائة والف عام حضارة وثقافة وعنفوان.

والشكر للصحفي النبيه الذي ارتقى بمادته من حضيض الاهتمام إلى قمة انشغال الناس بما تحت أعينهم في كل ركن وزاوية يخنق أنفاسهم برائحة الجيف ولكنهم لم يشتموا سوى من أيقونات الصورة موضوع المقال الذي خنقهم حد الموت.

فعسى يكون الشكر موصولا لمجالسنا المنتخبة بالمبادرة والإسراع لتشييد المراحيض العمومية التي تحفظ كرامة المواطن وتجهيز شوارعنا بما يكفي من المتنقل منها بالمواصفات الصحية الدولية وبما يناسب القدرة الشرائية للمواطنين في الأداء عن استعمالها.

اخر الأخبار :