إنها القيم يا سادة

1721 مشاهدة

إنها القيم يا سادة

سواء فزنا بكأس العالم أم لا رغم أننا سنفوز إن شاء الله بها، فحلم المشاركة بدأ يكبر شيئا فشيئا ككرة الثلج، لأننا نتوفر على لاعبين من طينة الكبار، ونتوفر على مدرب استطاع في ظرف وجيز أن يوجد لحمة بين اللاعبين بالاقتراب منهم ودعمهم والثقة في إمكانياتهم.

لقد استطاع بخبرته أن يقرأ الخصوم، وأن يغير من خططه وفق المباريات التي سيلعبها، ولم يركن إلى الدفاع في كل مبارياته، بل لعب كرة حديثة تعتمد على البناء والهجمات المرتدة أحيانا معتمدا على لاعبين ذوي مهارات عالية وتقنيات مذهلة، وإصرار على الفوز.

لم يأت الانتصار صدفة كما يحاول البعض الانتقاص منه، ولا منحة من بعض الحكام كما جاء على لسان بعض الاسبان والبرتغاليين، ولا ارتكانا إلى الدفاع كما صدر عن بعض أشباه المحللين، بل جاء وفق استراتيجية محكمة لم تنتقص من الخصم بل عملت على قراءة نقط قوته ونقط ضعفه، مع الارتكاز على تطوير قدرات اللاعبين المغاربة من حيث التعامل مع الضغط الهائل المرتبط بجسامة المسئولية الملقاة على عاتقهم.

ثم متى كان الدفاع تهمة؟

ألم تفز إيطاليا بكأس العالم سنة 1982 بإسبانيا بعد أن قهرت الجميع بدءا بأرجنتين مارادونا وبرازيل زيكو بخطة دفاعية محكمة كان كلاوديو جنتللي رأس حربتها وطبقها جينارو جاتوسو سنة 2006 لتحصل على النسخة الألمانية من كأس العالم؟

ما لا يعلمه الغرب، أنه بدل تسييس الكرة من خلال الدفاع عن « الدراري الرطبين » بحجة الدفاع عن حقوق الانسان، رغم ان حقوق الانسان براء من هذا الشذوذ، كان عليه احترام قوانين وخصوصيات البلد المستضيف.

ثم لماذا وقف الغرب صامتا تجاه روسيا عند احتضانها لكأس العالم سنة 2018 وهي التي تجرم أيضا هذه الرذيلة، بل وكان احتلالها وضمها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية لازال طازجا؟

ثم لماذا لم يندد هذا الغرب المنافق بالجرائم ضد الانسانية التي كانت ولا تزال الصين ترتكبها ضد المسلمين اليوغور عند احتضانها للألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير من هذه السنة؟

إن الغرب المتعالي والمتغطرس يا سادة، والذي لا يريد لبلد عربي مسلم أن ينال شرف تنظيم هذا الحدث العالمي، وأن ينجح في إدارته. ولا يريد أيضا أن يرى منتخبا عربيا ومسلما في الأدوار النهائية.

لكن ما لم يره الغرب هو تلك الخلطة السحرية للمنتخب المغربي التي مكنته من الانتصار، وكذا مضمون الرسالة التي ما فتئ لاعبونا يوجهونها للجميع بعد كل مباراة.

إنها قيمنا يا سادة المبنية على دفء الأسرة التي استطاع وليد الركراكي خلقها بين الجميع.

إنها الشكر والسجود لله بعد كل مباراة، وتقبيل الأمهات والآباء على تضحياتهم في سبيل نجاح وتألق أبنائهم.

إنها دروس في الايثار وحب الآخرين عندما يتنازل ياسين بونو عن جائزة رجل المباراة لصالح يوسف النصيري.

إنها اللحمة بين مختلف مكونات الفريق التي شكلت الفارق، وجعلت من اللاعبين المغاربة مثل الأسود الجائعة والصامدة رغم الاصابات.

إنها تشجيعات وآمال أمة عربية منكوبة  ومستصغرة  ومتفرقة، وقضية فلسطينية منسية لم تنساها العناصر الوطنية، ترى في كل انتصار انعتاقا من نظرة غربية دونية تلصق بشعوبها كل عناصر التخلف.

إنها دروس للقيم في المواطنة والنبل الأخلاقي من الجميع وللجميع بعيدا عن كل أنانية غربية تقدس الأنا بكل مظاهرها الفجة واحيانا الغريبة والصادمة.

إنها ببساطة رسالة من أسود أمة عظيمة بتاريخها وحاضرها تكتب تاريخا رائعا بمداد القيم والعطاء.

 

اخر الأخبار :