إمارة المؤمنين وفشل المد الشيعي الإيراني في أفريقيا .

1736 مشاهدة

إمارة المؤمنين وفشل المد الشيعي الإيراني في أفريقيا .

تعتبر المملكة المغربية، عبر التاريخ، المصدر الوحيد الأوحد للارتواء الروحي والعقائدي في إفريقيا، من شمالها إلى جنوبها؛ ذلك المنهل عززته الروابط التاريخية والدينية بين الدول الإفريقية جنوب الصحراء وبين ملوك المملكة المغربية الشريفة المنتسبين إلى آل البيت.

 

وتمثل إمارة المؤمنين، التي يتحمل أمانتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الرافد الرئيسي للوشائج التاريخية التي جمعت منذ القدم بين المملكة المغربية الشريفة وبين البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، والتي يجسدها التراث الحضاري والثقافي المشترك بأبعاده العقدية والمذهبية والروحية.

 

وتركزت جذور إمارة المؤمنين المغربية بالدول الإفريقية إلى ما قبل ظهور الإسلام، وبعد ما جاء الإسلام أعطاها زخما ومعنى روحيا ساميا، فأصبحت العلاقة التي تربط بين إمارة المؤمنين والشعوب الإفريقية تعتمد على ثوابت دينية وثقافية عربية وأمازيغية وزنجية مشتركة، فضلا عن الفضاء الجغرافي الذي يحتضن دول المنطقة.

كما لعبت الزوايا الصوفية دورا مهما في تعميق تلك الروابط المتجذرة، تلك الطرق الصوفية التي تجاوز عدد مريديها الملايين تعتبر المملكة المغربية في غالبيتها منبعها وبوابة التصوّف نحو جنوب الصحراء الكبرى.

 

تقرير نشره “معهد فورين بوليسي”

تحظى “إمارة المؤمنين” باهتمام كبير، ليس على المستوى الإفريقي فحسب، بل على المستوى الدولي، حيث سبق لتقرير نشره “معهد فورين بوليسي” أن أكد على ضرورة الاستناد إلى إمارة المؤمنين في الاستراتيجية الرامية إلى مكافحة الإرهاب والتطرف الديني بغرب إفريقيا والساحل.

 

وأشار التقرير إلى أن الوضع الديني لملك المغرب يمكن أن يشكل “عماد تحالف إقليمي ملتزم بالمهمة النبيلة المتمثلة في هزم الجماعات الجهادية الإرهابية”؛ وهو ما يعني أن “إمارة المؤمنين” تجسد، في السياق الإفريقي، ليس فقط استثمارا أو نهجا دينيا، بل بالدرجة الأولى نهجا سياسيا قائما على التوازن الدقيق والصعب في النهج والسلوك السياسي.

 

-إمارة المؤمنين جزء من منهاج نشر تعاليم الإسلام بإفريقيا

 

لم تتوان الشعوب الإفريقية، عبر قرون عديدة، في مبايعة إمارة المؤمنين والتشبع مما تزخر به من مبادئ العلوم الإسلامية ومن مناهج التعليم ونهج التسامح والطرق الصوفية والحوار بين الشعوب التي اجتمعت قاطبة حول إمارة المؤمنين التي تعتبر جزءا من منهاج نشر تعاليم الإسلام بالقارة الإفريقية.

 

كما تميزت الزوايا الصوفية بالمحافظة على أصالة الأمن الروحي الإفريقي، وعلى إبقاء رابط البيعة من خلال الشرعية الدينية قويا بين دول جنوب الصحراء الإفريقية وإمارة المؤمنين في المغرب.

 

وبناء على كل هذه المعطيات التاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية، أصبحت الجيوسياسية المغربية نحو العمق الإفريقي أمرًا حتميا وطبيعيا لتأمين الفضاء الإفريقي ولتحقيق استدامته الروحية والأمنية والاقتصادية والسياسية، فضلا عن الاستقرار الأمني.

 

-فشل المخططات الايرانية في إفريقيا

 

في المقابل، لم تعد الأطماع الإيرانية تنحصر في الهيمنة على الشرق الأوسط، بل تشمل كذلك خططا منفصلة للتمدد الشيعي في قارة بعيدة كل البعد عن إيران؛ لكن أطماع نظام الملالي جعلته يبحث عن موطئ قدم للتمركز في قارة إفريقيا ذات الثقل الاستراتيجي والجيوسياسي.

 

وهي خطط بمنتهى الخطورة، كونها تمهد للهيمنة بتغيير جذري لكامل البيئة المذهبية للدول التي تستهدفها، وهو الأمر الذي يهدد السلم الاجتماعي وسط المجتمعات ذات المذهب السني الأصيلة بالمنطقة، وتنقل بالتالي الصراعات المذهبية والطائفية التي تحرق منطقة الشرق الأوسط وغيرها، من لبنان وسوريا والعراق واليمن، لتنقل تلك الصراعات إلى قلب القارة السمراء.

 

ولتحقيق تلك الأهداف سخّرت إيران طاقات إعلامية واقتصادية وبشرية من رجال حزب الله اللبناني، أو اللبنانيين الشيعة الموالين لها، وأغلبهم يتحكم في اقتصاد بعض الدول؛ مثل ساحل العاج وسيراليون وجنوب إفريقيا. كما وجب التنبيه من أن الجزائر تعتبر نقطة ارتكاز للحضور الإيراني في المنطقة وبوابته الباهتة نحو القارة السمراء؛ لكن التمدد الإيراني لم يفلح في تشييع الشعوب الإفريقية المتشبثة بالمذهب السني الذي ترعاه إمارة المؤمنين التي لقيت قبولا وتلاحما من القدم من قبل الأفارقة باعتبارها الامتداد الروحي للإسلام في القارة.

 

وفيما اتسم التسلل الإيراني إلى إفريقيا بالنعومة، إلا أن هناك شواهد على علاقة المخابرات الإيرانية ببعض المجموعات الإرهابية في بعض الدول الإفريقية، حيث قامت إيران بتهريب كميات ضخمة من الكوكايين ضمن حاوية تضم قطع غيار للسيارات واكتشفتها السلطات النيجيرية واعتقلت أفراد الخلية في العام 2010، ولم يعد خافيا أن الدول الإفريقية تعج برجال المخابرات الإيرانية، كما تتبع إيران أساليب الدول الاستعمارية التي تسعى إلى توفير كافة متطلبات أمنها القومي، وهي تسعى إلى تطويق تلك الشعوب وعزلها عن عمقها الإفريقي.

 

هكذا، تنبه الأفارقة، وفي مقدمهم المغرب، إلى المخطط الإيراني وأدركوا محاولة إيران تغيير الهوية الدينية السنية للقارة عبر نشر المذهب الشيعي، فقررت المملكة المغربية مواجهته، بحيث واصل المغرب تعزيز حضوره الاقتصادي والديني في عمق القارة الإفريقية، وأسس العاهل المغربي الملك محمد السادس رابطة للعلماء الأفارقة ومؤسسات دينية تقوم بتوزيع المصاحف وترعى المساجد في عموم إفريقيا جنوب الصحراء.

 

كما أن المملكة المغربية عززت من دورها في تكوين الأئمة والمرشدين الأفارقة داخل المؤسسات الدينية في المملكة، إضافة إلى أن العلماء الأفارقة لم يكونوا بمعزل عن ميدان الشأن الديني بالمغرب عبر مشاركتهم الوازنة والدائمة في الدروس الحسنية الرمضانية، على امتداد نصف قرن الماضي، كما يحج العلماء من كل فج عميق في بلداننا الإفريقية جنوبي الصحراء يأتون إلى المملكة المغربية الشريفة في ملتقيات علمية وصوفية متعددة.

 

هكذا، فشلت كل مساعي ايران مع القارة الإفريقية، وأضحت تواجه خلال السنوات المنصرمة تحديات عديدة نتيجة عدم الالتزام الإيراني بالوعود التي قطعتها لبعض الدول ؛ منها تقديم المعونات الاقتصادية، نظرا لكونها (أي إيران) ترزح تحت وطأة حزمة عقوبات اقتصادية دولية جمة لا تزال قائمة إلى حد اليوم، كانت لها ولاتزال تداعيات متعاظمة على إيران وعلى الشعب الإيراني، الذي لم يتوان في التعبير جهرًا عن رفضه القاطع للنظام الإيراني القائم، خاصة في آخر حراك شعبي تمثل في الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الملالي في طهران، خلال المظاهرات الشعبية المستمرة التي اندلعت في كل المدن والبلدات الإيرانية منذ منتصف شهر شتنبر المنصرم.. هذا التمرد الشعبي الأخير الذي اندلع لأسباب عديدة؛ منها اقتصادية ودينية واجتماعية، وكذلك على خلفية وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعد توقيفها من قبل الشرطة في طهران،التي تشهد تنفيذ أحكام إعدامات ضد معارضي النظام تحت أي ذريعة ، كما توثق المنظمات الانسانية المدافعة عن حقوق الانسان في تقاريرها المتعددة.

 

خلاصة القول ،إن العالم بأسره يشهد اليوم مدى الفشل الذريع الذي منيت به سياسة النظام الإيراني الداخلية وانتكاسة مخططاته في الخارج، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في القارة الإفريقية.

 

اخر الأخبار :