مراكش المدينة التي تتألم أمام الآذان الصماء والعيون العمياء
1907 مشاهدة
تكتب أناملي مرتعشة تبكي، لم تجد أمامها غير عبارات الألم لتحكي ، هدوء غير مألوف يعم المدينة بأكملها , أجواء غير معتادة تعيشها يوميا , قرارات قاسية أخلت شوارعها وأزقتها من الناس , لطالما كانت مراكش مدينة البهجة و السرور ,وكان المراكشيون منبع الفرجة والفكاهة، أصبحت القلوب قاسية مع قساوة الإجراءات . و تلاشى الضحك مع توالي القرارات . ليسيطر الحزن على ملامح البهجاويين .في إشارة واضحة من العدو الحقيقي الذي لم يعد يُخفي نيته في إسقاط العاصمة السياحية .
النخيل بمراكش التي صارت شبه مهجورة , منتصبا لوحده ليلا في شوارعها , يهمس فيما بينه حول ما يجري مُتسائلا, أين الناس و ضجيجهم ؟ أين الأطفال و صراخهم ؟ أين وسائل النقل و الركاب ؟ لتأتي حافلة الأمن , طويلة القامة , جميلة المظهر بشبابيك حديدية تحمي زجاج نوافذها, تسير بخطى ثابتة , يتناوب ضوء اللونان الأخضر و الأحمر من على سطحها , تُجيب المُتسائل عن أسئلته و هي تجوب شوارع المدينة باحثة عن مخترقي حالة الطوارئ .
وقع ما كان متوقعا , اعتقالات بالجملة هنا و هناك , عقوبات الإفلاس في حق التجار ، الصناع التقليديين، أرباب المقاهي، ارباب الفنادق و قائمة المحكوم عليهم بالإفلاس طويلة . توقيف كل من سولت له نفسه العمل خارج التوقيت المحدد , لتهدأ الأجواء و تصبح مخيفة . داخل مدينة تبقى ممراتها في الأيام العادية مكتظة لساعات متأخرة من الليل , وسط أجواء ملؤها الفكاهة و الضحك بين سكان المدينة و الزوار .
جامع لفنا ,الأم العطاء ,أم المُيامون خجولة و غير راضية على ما آلت إليه أوضاعها . أبدت خوفها على أبنائها الذين توالت عنهم قرارات الابتعاد عنها وهجمات السلطات المختصة , لا يُخفى على أحد حب الأم و حنينها تجاه فلذات كبدها, ساحة جامع لفنا التي كانت تحتضن شريحة مُجتمعية عريضة , بائعي الفرجة و الضحك مقابل الابتسامات و التصفيقات, بائعي الفكاهة و المتعة وسط دوائر بشرية , و بائعي المأكولات الخفيفة .و الزائرين يتسابقون للاستمتاع بحكايات ‘‘ الحكواتي ’’ أو أغنية مصحوبة بلغة جسدية ساخرة … .حقا كان كل شيء جميل، واليوم حق علينا القول » إنا لله وإنا إليه راجعون » .
وكيلة المدينة مبتورة اللسان , سكوتها ليس غريبا عن موكليها . و لا يُنسب إلى ساكت قول , و لكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان ، قليلة هي الأرواح التي لا تزال صامدة أمام الفقر والبطالة ,شامخة مقاتلة مكافحة , لكن سقوطها بات قريبا , ما لم تحدث معجزة تعيد اللسان إلى المدافعة للترافع و الدفاع عن المراكشيين , و ردع خصم المدينة للكف عن هجماته , فللصبر حدود .
لم يتبقى في المدينة العتيقة غير شوارعها العريضة و المنتظمة , و الإشارات الضوئية و علامات العبور إلى الرصيف الآخر .لن تستطيع التفريق بين محلات الجزار و البقال و بائعي الثياب و العطار .اختفت العربات بأشكالها المختلفة , و السيارات الخاصة و الدراجات النارية . مدينة مراكش في إجازة بعد التاسعة ليلا , أصبح الجميع ينتظر صبحها و يرى نور نهارها الذي يُخفي غموض ليلها و كآبته .