سلسلة المغرب أيقونة لحوار الثقافات الحلقة 3 : تشابه الطقوس ووحدة العادات في المزارات عند المغاربة مهما اختلفت دياناتهم

1959 مشاهدة

سلسلة المغرب أيقونة لحوار الثقافات الحلقة 3 : تشابه الطقوس ووحدة العادات في المزارات عند المغاربة مهما اختلفت دياناتهم

 

يواصل موقع مراكش7 نشر سلسلة المغرب أيقونة لحوار الثقافات والتي يعدها الزميل عبد الواحد الطالبي ، فبعد الحلقتين الماضيتين :

الحلقة 1 : مظاهر فن العيش المغربي من خلال التأثير العبري

الحلقة 2 : الزي المغربي التقليدي استوحي تفصيلاته من لباس الأحبار اليهود والرهبان المسيحيين

 

ندرج الحلقة الثالثة حول موضوع :

 

تشابه الطقوس ووحدة العادات في المزارات عند المغاربة مهما اختلفت دياناتهم

تأثر المسلمين في المغرب بطقوس وعادات مواطنيهم اليهود في التبرك بالأضرحة وإحياء الطقوس التعبدية

 

تواتر المغاربة على زيارة الأضرحة وإقامة المواسم وإحياء عدد من الطقوس التعبدية في حرم الأولياء يتساوى في ذلك المسلمون واليهود.

 

وأضحى مألوفا لديهم إقامة عدد من الشعائر بطقوس تختلف من منطقة الى منطقة ومن فئة الى فئة ولكنها تتوحد في الأهداف التي من أجلها تقام هذه الشعائر وهي في الغالب رجاء التوبة والاستغفار والتماس البركات وطلب الشفاء من الامراض والعاهات التي تبدو مستعصية على الطب والعلوم.

 

 إحرام الرهبة والجلال في موسم الحجيج الى الأضرحة

 

ويؤم المغاربة أضرحة الأولياء الذين يبلغون في تبجيلهم درجة التقديس حتى إنهم لا يشعرون بمخالفة الشريعة عندما يقسمون بأسمائهم ويحلفون بها، في حلل من الرهبة والجلال متهيبين خاشعين أذلة بالتوسل والاستعطاف لما يقصدون عليه (الربي) في تسمية اليهود، و(الولي الصالح/الشيخ) في تسمية المسلمين.

ولا تكاد تخلو منطقة في المغرب من قبور يقصدها المغاربة للتبرك والاستغفار والتداوي، ولا تكاد تخفى هذه الرموس التي شيدت عليها قباب وأبنية تميزها عن غيرها وأحيطت غالبيتها بأسواق وبيوت وشيدت في محيطها أحيانا قرى ودواوير بل أحياء ومدن ربما سميت بأسماء دفينها.

يأتي المغاربة الى الأضرحة محملين بالقرابين وبالشموع وبالأضاحي يختلفون اليها مثقلين بأعباء تنوء بها الجبال وما يخرجون الا وقد حطوا من عليهم الأوزار مغتسلين من « ذنوبهم » و « آثامهم » بالدموع المنهمرة في حضرة الجذبة أو لهج الترتيل وصخب الترانيم ودوخة الطواف على التابوث أو بالهزات والرجات تحت عصا « الصرع » من الجن والشياطين.

واعتاد المسلمون على هذا الفعل وإن خالف الشريعة في دينهم بل إنهم تعودوا تنظيم مواسم الحج الى كثير من أوليائهم في أيام معدودات على غرار ما يفعله مواطنوهم اليهود في « الهيلولة » وهي أيام الحج الى « الربيين » الذين يتبركون بأرواحهم في ليالي إيقاد الشموع والنيران لطلب التوبة والغفران وإساحة دم الاضاحي تزلفا وقربانا.

 

 رسالة الشمع الى الأرواح تحت القبور

 

لليهود المغاربة عادات في زيارة قبور أوليائهم وتقديسهم والتبرك منهم، يحجون الى أضرحتهم من كل فج عميق يصطحبون عائلاتهم وأبناءهم يستغفرون بالدموع والنحيب مبتهلين ضارعين في خشوع يلفه سكون الليل الذي تضيئ بهيمَهُ باهتاً شموعٌ في كل كف وفي كل ركن ومكان كَدَيْرِ الرهبان.

وكذلك المسلمون عندما يزورون أضرحة صلحائهم يزورونهم ب »الضوء » وهي شمع في اليد يدلفون به قِبَلَ القبر يضعونه عند رأس الدفين أو يوقدونه ولو نهارا في زاوية من المكان أو يسلمونه للحفيد « الحفيظ » وهو أحد « الشرفاء » من أحفاد او أسباط الولي يكون قَيِّما على ضريح جده يُحَصِّل ما جادت به أَرْيَحِيَّةُ الزوار تبركا وتقربا.

 

يفسر السيد جاكي كادوش رئيس رابطة اليهود المغاربة في جهة مراكش-أسفي، ظاهرة زيارة أضرحة الأولياء بالشموع « الضو » في ما تعودت عليه الطائفة اليهودية بالروح الخالدة والجسد الفاني معتبرا النور روحا والشمع جسدا يفنى باللهب لِتَخْلُدَ الروح.

ويقول كادوش إن اليهود يوقدون الشموع على قبور أوليائهم ليجددوا الوفاء لهم ويؤكدوا لأرواحهم أنها ما تزال خالدة في ذكراهم باقية مع الأحياء في دُناهم ما بقي نور الشموع يبدد الظلمة وينير البهيم ويضيء الحياة التي يفنى فيها الجسد كما تذوب الشمعة وتخلد الروح كما يشع نور الشمع وتضيء النار التي تأكل الحطب وتحيله رمادا.

من عادات اليهود كثير ما تعود عليها المسلمون وإن نهى عليه دينهم، فقد سبق اليهودُ الى المغرب الاسلامَ وجرت عاداتهم مجرى العبادة لدى المغاربة قبل الفتح وحتى إذ أسلموا تطبعت معتقداتهم بتقديس الكرامات التي لايشكون أن الله سبحانه هو الذي أودعها بسر من أحد أسراره واحدا من خلقه أو أكثر، ثم رسخ التصوف واعتقاداتُ الصوفية لدى المغاربة هذه القيمةَ التي اصْطَفَتِ الْأَولياء الصلحاء اصطفاءا تعدد بشأنه الكلام.

 

 « الهيلولة » وحتى للمسلمين « هيلولة »

 

ما يزال اليهود مخلصون في « الهيلولة » للقرابين بالذبائح والاموال وكذلك المسلمون الذين يتقربون ب »الوعدة » وهي الذبيحة أو الهدية التي يلتزم بها « الحاج » المتوسل حاجته لدى وليه إذا ما أوتي سؤله في زواج متعثر أو عُسْرِ قضاءِ حاجةٍ أو فسخ من سحر أو انسلاخ من عين أو ارتقاء درجة وتولية منصب او شفاء من علة ومرض او غيره.

في « الهيلولة » يقيم اليهود المغاربة مزادات للشموع. مبلغ المزاد للشمعة -وقد يصل ملايين- يكشف لصاحبها حظه ومكانته في المزار وقبول الطاعة والنسك لدى « الربي » ويفتح له أفق السعد في الحياة بين « الحجين » اي موسم الهيلولة للعام الجاري والهيلولة للعام المقبل، وتخصص مبالغ المزادات للصدقة على فقراء اليهود عندما كان اليهود في المغرب بالآلاف وقبل أن ينحسر في بعض مئات لكن هذه المبالغ تدفع اليوم لأجل صيانة وترميم أضرحة « الربيين » التي تفوق أعدادها عدد أفراد الطائفة المقيمة.

وعند المغاربة المسلمين تقام المزادات لنفس الغرض ولذات النية، يأتي المسلمون ب »الخبزة » غالبا ويعرضونها في مزاد يوما على الاقل في الاسبوع أربعاء أو سبت يرتفع السعر أو يقل لكنه يبدد شيئا من ثقل النفس المهمومة المنشغلة عن حاضرها بالمستقبل التواق الى غد أفضل بحياة أسعد شق نيل مطلبها غُلْبا فسعت النفس الى مطلبها زُلفا.

يفتتح سعر المزاد في أضرحة الأولياء المسلمين على تراتيل الوِرد وآيات من القرءان الكريم ويختم بالدعاء الصالح، وتوزع مداخيل المزاد على الحفظة او الأحفاد أو المريدين وليس لصاحب « الخبزة » غير ما ناله من علم حظوظه في الدنيا إن كان له حظ، وما تزودت به روحه من اطمئنان أن سوقه ما تزال رائجة.

يختلف المغاربة المسلمون عن مواطنيهم اليهود في ما يتعلق بذبائح القرابين أن اليهود لا يبرحون الأضرحة حتى يتزودوا من الايمان ومن الطعام، يرتلون ويبتهلون باكين شاكين ضارعين متوسلين يذكرون ويتذكرون حتى إذا فرغوا انصرفوا الى الاكل والشرب في لهو وقصف ورقص ثَمِلين منتشين متواددين في دعة وسكينة غير مبالين ولا آبهين لا يأخذون معهم ما جلبوه وإياهم فيما لا يأكل المسلم الزائر (الحاج) من ذبيحة قربانه شِرْكة لحم ولا يأخذ منه شيئا الى بيته. لحم الذبيحة كله يوزع على مَنْ في الضريح فقراء ومساكين وذوي الحاجة.

وحدها المواسم في حرم الاولياء والصلحاء بالمغرب التي تكون مرتعا للأكل والشرب والحفلات ويجد فيها كل ذي بغية بغيته، هي « هيلولة » بطابع آخر لا يلغي فيها الجانب التعبدي « الديني » الطقوس الاحتفالية ب »التبوريدة » و « الشيخات » و »اعبيدات الرمى » على موائد الشواء من ذبائح الغنم وأطباق الدسم وفواكه الصيف  مع تناول كل محظور.

 

 هنا المغرب: مساجد وكنائس وبيع للجوار

 

وليس لِمُدَّعٍ ان يزعم أن ظاهرة زيارة الأولياء والأضرحة لدى المسلمين في المغرب إرْثٌ يهودي ولكن العادات والطقوس متشابهة وتكاد تكون واحدة في المزارات عند المغاربة مهما اختلفت دياناتهم.

ولا غرو، إن كان في المغرب أضرحة يزورها كل من المسلمين واليهود معا بل إن من بين الأولياء صلحاء يهود يلتمس لديهم المسلمون المغاربة البركات كما يحدث الخلاف في ديانات بعض الأولياء الذين تدعي كل طائفة نسبتهم اليها.

هذا هو المغرب وهذا هو شعبه الذي ربما فرقته الديانة ولكن وحدته القيم بتسامح وتعايش في تساكن دائم بين مسلميه ويهوده وأهل الذمة من النصارى المقيمين على أرضه التي تتجاور فيها المساجد والبيع والدير.

إن المغاربة لا يشركون بالله إذ يزورون أولياءهم من الصلحاء في قبورهم ولكنهم باحثون عن فسحة أمل في ضيق العيش يتوجهون بلا واسطة الى خالقهم وحده الذي بيده الرزق ويقدر في حَرَمٍ دَرَجَ في ثقافة المغرب القديمة أن دفينه مولى حاجة ولتلك الحاجة يولي المغاربة القبلة ولا يولونها للدفين الميت المنقطع عمله.

يتبع..

اخر الأخبار :