سلسلة المغرب أيقونة لحوار الثقافات الحلقة 2 : الزي المغربي التقليدي استوحي تفصيلاته من لباس الأحبار اليهود والرهبان المسيحيين

4728 مشاهدة

سلسلة المغرب أيقونة لحوار الثقافات الحلقة 2 : الزي المغربي التقليدي استوحي تفصيلاته من لباس الأحبار اليهود والرهبان المسيحيين

المغرب أيقونة لحوار الثقافات سلسلة يقدمها الزميل عبد الواحد الطالبي على حلقات، تناول في محطاتها الاولى موضوع : مظاهر فن العيش المغربي من خلال التأثير العبري ، – نعيد نشرها لتعم الفائدة- ثم يفصل في المحطة الثانية من هذه السلسلة كيف أن الزي المغربي التقليدي استوحي تفصيلاته من لباس الأحبار اليهود والرهبان المسيحيين

اليهود المغاربة في صميم الحضارة المغربية التي ميزت الشعب المغربي عن بقية الشعوب العربية

لم يستطع أي رافد من روافد الثقافة المغربية أن يؤثر في حضارة الشعب المغربي قدر تأثير الثقافة العبرية التي بصمت بقوة على كثير من مظاهر حياة الشعب المغربي وفنون عيشه قبل اتساع مساحة المثاقفة وهيمنة الحضارة الغربية.

كان للمغرب اتصال قديم بأقوام وشعوب وحضارات، بل سادت فيه منذ الأزل ديانات ومعتقدات وما يزال وفيا لتاريخه في القبول بالآخر وبالتعايش مع ثقافاته، متفاعلا ومنفعلا يؤهله في ذلك موقعه الجغرافي والصهرة الاثنية لشعبه.

غير أن الوجود اليهودي في المغرب مكن الهوية المغربية من مقومات أوسع في الثقافتين الأندلسية والمتوسطية إن في الفن أو الصناعات الحرفية والمعمار أو اللباس والمطبخ، أو في بعض العادات والطقوس التعبدية والاحتفالية وفي التجارة والبيع.

ووجد اليهود سواء الذين أدركهم الاسلام في المغرب أو الذين هاجروا اليه الهجرات المتتالية بعد سقوط الاندلس ثم خلال محنتهم مع النازية، ما استشعروا به الطمأنينة ليتخلصوا من وزر سنين العبور ويحطوا الرحال بما حملوا.

حمولة اليهود ما كانت ثقافة عبرية خالصة ولكنها، كانت مزيجا من ثقافات عدة صقلها اليهود بمهارة وحذق ليتعيشوا من ممارسة بعض فنونها وصنائعها في بلدان الاستقبال ومنها المغرب الذي شجع لدى اليهود المغاربة روح الابداع والابتكار والعمل والتفاعل أيضا، بقيم التعايش والتسامح التي بلغت أحيانا درجة الانصهار.

انصهرت الثقافة العبرية في الثقافة المغربية تلقائيا كما انصهر يهود ومسلمون في علاقات أسرية بالتزاوج والمصاهرة وإثر ذلك ارتد كثير من اليهود عن ملة موسى وكاد يُظَنُّ كثير من المسلمين للمخالطة والمعاشرة في (الملاح) أنهم يهود.

بدا تأثير الثقافة العبرية وبصمةُ اليهود المغاربة واضحا وقويا في عدد من مناحي الحياة التي ميزت الشعب المغربي في ثقافته وحضارته عن شعوب الجوار قليلا في الجزائر وتونس وببوْنٍ شاسع عن شعوب البلاد العربية من ليبيا الى الخليج.

المغاربة يلبسون بتنوع وتعدد ويأكلون بغنى وثراء، ويؤثتون بأناقة ورقي ويسكنون الرياض والقصور ويَشْدون بميازين الطبوع والصنائع طول أوقات الليل والنهار، يستمتعون في كل ذلك بفن العيش لأنهم ورثوا حضارة غرناطة ودمشق وبغداد وشرق المتوسط وصقلية ولأنهم حضنوا اليهود عندما نبذهم كل العالم.

المغرب أيقونة لحوار الثقافات، حضن كبير وزخم وفير لمظاهر ثقافية متعايشة ومتحدة ومنصهرة في وحدة حضارية أصبحت بلا لون أوجنس، غير أنها وفية لأصولها كما أقرها الدستور عربية اسلامية أمازيغية صحراوية حسانية إفريقية أندلسية عبرية متوسطية.

ويتجلى هذا التنوع والغنى الثقافي للحضارة المغربية في عدة مظاهر من فن العيش والطقوس والعادات وتقاليد الناس من خلال التأثير العبري لليهود المغاربة.

ومن خلال ذاكرة الناس والأشياء يبرز ثراء الثقافة المغربية في اللباس والمطبخ والصياغة والحلي والعادات والتقاليد وطقوس التعبد والتقرب والغناء والموسيقى، وفي الاحتفالات والمآثم والصنائع والحرف وفي السياسة والحكم… ما كان لليهود المغاربة فيه حضور وكان ذا اثر للفخار يُذكر.

الحلقة 2: الزي المغربي التقليدي استوحي تفصيلاته من لباس الأحبار اليهود والرهبان المسيحيين

مهارة اليهود المغاربة جعلت اللباس المغربي يتربع على قمة أناقة الزي التقليدي في العالم

يتميز الزي المغربي التقليدي بتنوعه وغناه في تفصيلاته وما يزخر به من تطريز وتوشيات يتساوى في ذلك ما يلبسه الرجال وما تكتسي به النساء.

وينفرد الزي المغربي بخصوصيات مشهودة نتيجة عوامل كثيرة وثقافات متعددة في مقدمتها الثقافة العبرية التي تعتبر رافدا من روافد الهوية الوطنية للمغرب جعلته يتربع على عرش أناقة الزي التقليدي في العالم.

 

 

وأغنت الثقافة العبرية الزي المغربي من خلال مهارة اليهود المغاربة واتقانهم للصناعة المرتبطة بمكونات هذا الزي لاسيما الجلباب والقفطان الذي تخصص اليهود في إبداع ياقته والانشوطة التي تتدلى من الياقة في (التحتية) التي يلبس فوقها القفطان.

الديباج والخمائل صناعة اليهود المغاربة

 

وكان اليهود المغاربة يصنعون الى وقت قريب السفيفة التي تحيط بطوق القفطان المغربي وتنسدل على امتداد الطول عند الصدر وحتى القدمين معقودة سوى عند الساقين.

كما أنهم تخصصوا في فن التطريز والتوشية لهذه السفيفة بخيوط السبائك الذهبية والفضية التي يتولى حرفيون مسلمون خياطتها على تفصيلات قماش من الحرير المستورد من الهند وكشمير غالبا.

وارتبطت صناعة السفيفة بصناعة الخمائل والمجدول وهي ضفائر خيوط الحرير التي كان النساء يربطن بها أكمام القفطان الى الأدرع بعملية شد وثاق المجدول بين الكتفين كما كن أحيانا يشددن به الحزام.

واستعملت الخميلة كأنشوطة في التحتية التي كان يلبسها الرجال وهي مجدول يتدلى من الياقة الى الصدر يؤدي جذبه ناحية الاسفل الى إحكام ربط الياقة على العنق.

ونشط اليهود المغاربة في صناعة مكونات الزي المغربي التقليدي والتجارة في مواده خيطا وسبائك وقماشا أيضاً حتى أصبحت أحياء الملاح في المدن المغربية أسواقا رائجة لهذه السلع دون غيرها وتعاطى إثر ذلك النسوة اليهوديات الى حرفة الخياطة التي كانت تتأفف منها النساء المسلمات بل كانت الخياطة ممجوجة لدى المجتمعات العربية بصفة عامة ومارسها اليهود.

غير أنه سرعانما طفقت أسر مسلمة تنافس اليهود المغاربة في صناعة الزي المغربي دون ذاك الذي اختصت به البادية المغربية من نسيج الصوف وحياكة الوبر وذلك من خلال جيل من بنات العصر اللواتي اختلفن الى بيوت اليهوديات لتعلم أصول الطرز والتوشية وفنونهما ثم ما لبثن أن اكتسبن الصنعة وتفنن فيها وأبدعن.

مسلمو الرباط يُوَرِّثون مدينتَهم فنون الطرز والتوشية

وما يزال نوع من الطرز (الطرز الرباطي) يحمل صفة الرباط التي كانت محطة أفواج اليهود الأندلسيين عقب سقوط غرناطة أواخر القرن الخامس عشرة الميلادي ولما يسلموا حتى دارت عليهم دهور تطبعت الرباط ببعض طباعهم وحتى قال المغاربة عن سكانها (مسلمو الرباط) كناية عن أصول بعض العائلات التي كانت في أصلها الاندلسي يهودية وأسلمت في الرباط بعد زمن عن التهجير والترحيل من الفردوس المفقود.

ورثت الرباط كغيرها من المدن المغربية التي استوطنها اليهود او نشأوا فيها كثيرا من الصنائع والعادات وفنون العيش من الثقافة العبرية المتفاعلة مع غيرها من الثقافات سواء في شرق المتوسط او في الاندلس.

واشتهرت مدن مغربية دون غيرها بصنائع تتعلق بالزي المغربي التقليدي المديني تحديدا بقدر حجم اليهود المغاربة وكتلتهم من بين ساكنتها كأزرو وفاس ومراكش والرباط ومكناس وصفرو والجديدة وأسفي والصويرة.

وحملت أسر وعائلات أسماء ترتبط بهذه الصنائع ومنها عائلات أسلمت وقد كانت يهودية في أغلب الظن ك »الصقلي » و »الكوهن الصقلي » و « الحرار » وغيرها.

يؤكد السيد جاكي كادوش رئيس رابطة اليهود المغاربة في جهة مراكش-أسفي أن « الكوهن » لفظ عبري ومعناه الكاهن والمقصود به الحَبْر و »الصقلي » أي الذهبي ويحاول إيجاد علاقة بين الصفتين في ارتباطها بمدى تأثير الثقافة العبرية في الزي المغربي فيشير الى أن للحبر اليهودي الاعظم (كوهين هاكادول) لباسا مخصوصا مذكورا بتفاصيله في الكتاب المقدس (التوراة) يكون مطرزا بالديباج ومميزا بصدرية موشاة بالجواهر واللآلئ والأحجار الكريمة.

ويعدد السيد كادوش صفات هذا اللباس الديني (المقدس) وأنواعه والذي ربما استوحى الزي المغربي نماذج منه لاسيما وأن التاريخ يحدثنا عن أن المرأة والرجل كانا معا يلبسان نفس الزي بل إن الزوجة كانت تستعير في المناسبات الاحتفالية قفطان زوجها للظهور به في الاعراس.

قيم التعايش تستوحي الزي المغربي من لباس الأحبار والرهبان

فلكأنما الجلباب والقفطان و »البدعية » و »التحتية » و »التشامير » و »الجبادور » و »الصدرية » و »السلهام » البرنس نماذج من الزي استوحت تفصيلاتها من لباس الأحبار اليهود ثم بعدهم الكهنة والرهبان المسيحيين حافظ المغاربة على أصولها مع التغييرات التي طالتها بفعل التطور والمعاصرة دون المساس بجوهر الجمالية والأناقة التي تميزها.

 

إن الاعتراف بهذا الاستيحاء اعتراف آخر بالتلاقح الحضاري للثقافة المغربية وحوارها المنفعل والمتفاعل دون تعصب مع كل الثقافات بقيم طبعتها روح التسامح والتعايش.

اخر الأخبار :